شقة رقم 2 4

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-04-30

(4) 

5/8/2013

الساعة: 2:36 بعد منتصف الليل. 

اعتصر بدر سماعة الهاتف في غضب قائلا:

- سارة ما تفعلينه خطأ وغير معقول إلى متى سأظل وحيدا في الشقة؟

- إلى أن تجد سكنا جديدا.

- ولماذا كل هذا العناد؟

- أنت العنيد ولست أنا.

- أنا؟ كيف ذلك؟ وأنا أبحث عن سكن جديد كل يوم، رغم سكني في أفضل شقة ممكن أن أحصل عليها، كل ذلك لأجلك، أما أنت فلا تفعلين شيئا لأجلي وتبيتين عند أهلك وكأننا منفصلان.

- لبدر لا يمكنك إجباري على العيش في الشقة أو حتى النوم فيها، ولا يمكنني إجبار نفسي على ذلك ، أنا خائفة.

- آاااه.. أجل، أجل.

قالها  في ضجر، فسكتت سارة قليلا ثم فكرت سريعا، وراجعت نفسها قبل أن تقول:

- حسنا سآتي إليك غدا، سوف أحاول المبيت معك في الشقة لكني لا أضمن ذلك، أعدك بالمحاولة فقط، فكما قلت لك أنا خائفة.

صمت بدر للحظات قبل أن يقول:

- هذا كاف بالنسبة لي، لا داعي لأن تأتي إلى الشقة، تكفيني مواجهتك لمخاوفك لأجلي، حسنا... غدا سأخرج من الشقة وأجهز غرفة مؤقتة في منزل والدي نسكن فيها إلى أن نجد شقة جديدة.

- هل ستفعل ذلك حقا؟

- أجل.. المهم أن نعود معا كما كنا. 

تلطفت الأجواء بينهما، وبعد عشر دقائق من تبادل كلمات الحب، قالت سارة في همس لطيف:

- تصبح على خير أراك غدا.

- أراك غدا بإذن الله، تصبحين على خير. 

أغلق بدر الهاتف، ثم رفع نظره إلى سقف الشقة، وفي عينيه نظرة أسف وحزن، سوف يخسر هذه الشقة وسوف يخسر قدرا غير معلوم من المال، لكن كل ذلك يهون لأجل الحبيبة.

وصلت إلى هاتفه في تلك اللحظة رسالة، نظر إلى الشاشة، اسم المرسل خليل! فتح الرسالة:" أنا خليل، انظر إلى الصور جيدا، وراجع نفسك، هذا آخر ما يمكنني فعله لأجلك، هذه صور زوجتي، تم التقاطها في يوم الحادث".

ودخل على مجموعة من الصور، كانت صور مروعة، بشعة، صور لشابة ممتدة على الأرض وكأنها سقطت على وجهها بلا ملامح ومن حولها الدماء، إنها زوجة خليل، إنه منظر أكثر من كاف ليطير بسببه عقل خليل بلا عودة خاصة إذا شاهد احتكاك وجهها بالإسفلت وفقدانها شيئاً من ملامحها مع كل سنتمتر...

هذا كثير...

هذا لا يحتمل...

المشكلة الآن هي أن بدر لا يستطيع رفع نظره عن الصور...

لقد صدم حقا بها، لم يتخيل مصيرا كهذا، لحبيبة خليل...

وبشكل لا إرادي يتخيل إن الشابة الممددة على الأرض هي سارة...

أغلق الهاتف" هذا يكفي"، قالها في نفسه، وقرر الخروج من الشقة، ستكون هذه الليلة آخر ليلة فيها.

خاف من فكرة النوم في السرير وحيدا، خرج من غرفته واتجه إلى غرفة المعيشة حاملا معه بطانية، جلس فوق الأريكة وتغطى بالبطانية بعد أن ترك التلفاز مفتوحا لينير الغرفة بنوره الفضي، نزع نظارته الطبية ووضعها قرب رأسه، خفض من صوت التلفاز قليلا واستعد للنوم، مشكلته إنه لا يتحكم بأفكاره قبل النوم، باختصار أفكاره التي ينشغل فيها طوال النهار تشكل قشرة فوق عقله، وقبل النوم يرتخي الجسد وتتحطم القشرة فتتساقط فوق عقله فيعود للتفكير في نفس الأمور.

وعادت به الذاكرة إلى خليل وحالته بعد تلك الزيارة، كان يستطيع إنكار خوفه أمام خليل وأمام أي شخص في العالم لكنه لا يستطيع ذلك داخل نفسه.

بدأ جسده يضعف مستسلما للنوم، وبدأت أفكاره تتحرر من إرادته فأيقظت خياله الذي يكون في أقوى حالته في مثل هذا الوقت. استيقظ الخيال وهمس في أذن بدر:

" ترى ما الذي يمكن أن يحدث في شقة كهذه(6، فأجاب:" أمور كثيرة"؛ كأن يظهر رأس بلا جسد يحوم حولي... ربما رأس لطفلة باكية... طفلة بلا جسد تبكي بلا توقف قربي.. أو أن  أسمع صوت زوجتي في الأوقات التي أكون فيها متأكدا من خروجها"، وبدأت الأفكار المرعبة تحاصره.

حتى ارتجف خوفا...

نظر إلي يده التي ترتعش:" ما هذا لقد أخفت نفسي حقا!". 

لأول مرة يكتشف إن خياله خصب جدا، طاقة فياضة لكنها للأسف تعمل ضده، عليه ترويضها وتوجيهها لكي تعمل لصالحه.

ترك الأريكة وأنار الغرفة مجددا، إنه يحتاج إلى الانفصال عن خياله المرعب، ارتدى نظارته الطبية وأخذ يبحث بالقرب من جهاز الدي في دي، عن فيلم مناسب ووقع بين يديه film(home الىنِ20ة  اختيار موفق وجميل، ومليء بالذكريات، إنه أفضل اختيار فعلا.

عاد إلى الأريكة وتغطى بالبطانية، وعرض الفيلم.

كان يتصنع الضحك في الدقائق الأولى، وكأنه يقول لعقله انظر هناك، يوجد ما هو جميل، ثم بدأ يبتسم ابتسامات حقيقية وكأن عقله قد التفت إلى الفيلم وابتسم أمام الذكريات القديمة.

ونجحت خطته للحظات، قبل أن ينشغل عقله بخادمة الجيران، فلقد أخبره خليل بأنها خادمة مربية ذات عادات غريبة، فهي تتردد إلى سطح المنزل كثيرا، وتستغل وقت خروجها من شقة الجيران لإنزال القمامة، لتصعد إلى السطح؟ ترى ماذا تفعل هناك؟ لقد فتش خليل السطح عدة مرات شبرا، شبرا بلا فائدة!...

فجأة....

شعر بدر بأنفاس بالقرب من أذنه...

فتشنج جسده رعبا...

وقف يلتفت حوله، ثم ركز على فتحة التكيف وكأنه يحاول إقناع نفسه، بأن ما شعر به كان بسببها...

ثم....

بدأ يسمع صوت خطوات بالقرب من باب الشقة...

أحدهم ينزل من الدرج...

ترى من يستخدم الدرج في مثل هذا الوقت...

اتجه إلى الباب...

كانت هناك رائحة حرق واضحة...

تردد قبل أن ينظر من خلال العين السحرية...

فرأى العجوز التي تحدث عنها خليل...

امرأة عجوز تقوس ظهرها...

تقوسا شديدا...

وشق قرناها جبينها...

إنهما ثقيلان يخلان بتوازنها...

بجلد مسلوخ عن أماكن معينة من جسدها ووجهها...

كانت تنتزع جلدها بمخالبها...

وتلتهمه...

مصدرة أصوات كفحيح الأفاعي!! 

بهت بدر!

وأخذ يتساءل:" ما هذا الشيء؟ وهل يتجول هذا الشيء في المنزل كل ليلة؟ وهل كان يتردد إلى شقتي حتى هجرها أصحابها؟"

شعر بدر بالدماء تتدفق إلى رأسه، وبدأ يسمع أصوات عجز عن تمييزها...

هل هي الدماء التي تكاد تفجر رأسه؟...

هل هي هلوسة...

أم إنها أصوات الجن؟!

شعر كأنه بين اليقظة والحلم... فهل هذا ما يشعر به الإنسان المسحور؟

وقفت العجوز بين شقته وشقة جاره...

ترى إلى أين ستتجه الآن؟

هل ستتجه إليه؟ أم إلى شقة جاره؟

وبدأت العجوز تلتفت نحوه...

وركز بدر على وجهها، الذي بدأ يستدير نحوه...

وعلى ملامحها التي بدأت تتضح شيئا فشيئا...

لقد رأى معظم وجهها...

ترى هل شعرت به؟!

الآن سيلتقي بها وجها لوجه...

وتقع عيناها في عينيه...

فجأة...

التفت العجوز إلى شقة الجيران متجاهلة بدر.

وقفت أمام شقة الجيران، قبل أن تطرق الباب...

خرجت لها الخادمة، إنها الخادمة المربية نفسها، كانت خائفة، ترتجف خوفا، وقدمت للعجوز عظاما، ثم أغلقت الباب! يقال إن العظام من طعام الجن...

يبدو أن الخادمة كانت تصعد للسطح لتبعد العجوز عن الشقة، فإن تأخرت نزلت العجوز إليها لأخذ العظام.

التهمت العجوز كل العظام، ثم التفتت إلى بدر.

وتقدمت نحوه، كان بدر خلف الباب، وخلف العين السحرية، إلا أنه شعر بأنها تتقدم نحوه بلا حواجز.

أصبحت قريبة جدا، ابتعد بدر عن العين السحرية فزعا مما رآه، وتعلقت عيناه على الباب في ترقب، ثم..

سمع طرقا على الباب، طرقتين خفيفتين...

العجوز تنتظر في الخارج...

ووصل إليه صوت فحيح الأفاعي الذي تصدره، إنها قريبة جدا، وباب كهذا لا يشعره بالأمان.

عادت العجوز تطرق الباب مجددا لكن بشكل أكثر عصبية. 

لكنه لم يفتح...

فتحرك مقبض الباب، وفتحت العجوز الباب!

فتح الباب! رغم أنه كان مقفلا! فتح بصرير مخيف، وتجمد بدر للمنظر، وكأنه أمام ستارة مسرح تكشف عن ما سينتزع قلبه.

قفز بدر نحو الباب وكأن قلبه هو الذي قفز، دفع الباب بكل عنف، وأقفله مجددا، وكله صدمة:" لم يخبرني خليل بذلك! قال لي لا تفتح الباب، لكنه لم يقل بأنها ستحاول الدخول بالقوة".

- بدر.. بدر.. حبيبي.. ما كل هذا الإزعاج؟

اتسعت عينا بدر فزعا وامتفع وجهه إنه صوت سارة يأتي من غرفة النوم!

- بدر.. لماذا لا تأتي؟.. أنا أنتظرك.

لم يتحمل بدر الموقف...

وخر جاثيا على ركبتيه أمام الباب وأخذ بالبكاء.

- بدر.. بدر.. بدر

أدرك بأنه هالك.. فالعجوز لم تمنعه من الهرب فحسب، بل حبسته مع من في الشقة أيضا...

اشتد نحيب بدر...

ثم شعر بيد تربت على كتفه:

بدر..

تجمد بدر في مكانه...

بدر.. بدر...

غطى بدر وجهه بكفيه، رافضا النظر إلى صاحبة الصوت...

بدر... لماذا لا تنظر إلي؟

لا..لا..لا أريد.

فأزاحت صاحبة الصوت كفي بدر عن وجهه..

فسمع صراخه كل الجيران...

سمعوا صراخ بدر...

الساكن في الشقة رقم "2".

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا