7. أنت لي يا ماجد
كنَّا في عام 1992م، لقد نشأتُ في منزل صغير مع والدتي فقط، والدي رحمة الله عليه - توفي منذ أن كانت أمي حاملا بي، وأثناء هذه الأحداث أمي كانت مخطوبة لقريب لنا.
كان منزلاً صغيرًا ولطيفا يحتوي على غرفتي نوم وغرفة معيشة صغيرة ومطبخ، وهناك مخزن احتفظتُ فيه بجميع ألعابي.
كان المخزن صغيرًا فيه إضاءة ضعيفة، ويحتوي على غرفة غسيل صغيرة، مضاءة بمصباح كهربائي واحد لونه أصفر.
لم أكن أدخلها فلا حاجة لي بها، كنتُ فقط ألعب بألعابي في المخزن بجانب الباب.
في ليلة من الليالي الممطرة والمظلمة، كنتُ ألعب بألعاب الليغو الخاصة بي في المخزن، كانت مياه الأمطار تتساقط ببطء عبر النافذة وأسفل الجدار الإسمنتي.
كان الجو باردًا أكثر من المعتاد، فقد كنتُ ملفوفا بسترتي وبطانيتي أثناء اللعب، وأثناء محاولتي بناء طائرة من لعبة الليغو الخاصة بي، شعرت فجأة بقشعريرة في عمودي الفقري أعقبها شعور غامر بأنني مُراقَب.
التفتُ ونظرتُ خلفي نحو غرفة الغسيل المظلمة، لم يكن المصباح الأصفر مضاءً، كانت حالكة أكثر من باقي المخزن، كان في المخزن إنارة ضعيفة بالكاد تضيئه، ولكن مع ذلك...
من المفترض أن يدخل بعض النور لغرفة الغسيل، أليس كذلك؟
لم هي حالكة الظلام وكأن السواد الذي فيها ثقب أسود يبتلع النور؟
ظللت أفكر حتى شعرت بأن السواد يخرج خارج الغرفة وبدأ المخزن بالاسوداد أكثر فأكثر.
هناك شيء ما لفت انتباهي إلى الغرفة، لكنني لم أتمكن من رؤية ما هو، بدا الأمر أغمق من سواد الغرفة.
حدقت في الظلام، لا شيء على ما يبدو، حتى رأيت شيئًا يتحرك.
لم أكن أعرف ما هو، لكنه بدا أكثر قتامة من الغرفة، رأيته لثانية واحدة فقط قبل أن يختفي.
لقد أرعبني هذا الأمر كثيرًا ولم أفكر بالأمر ولو لثانية، لقد قفزتُ من مكاني فركضتُ إلى غرفة المعيشة عند والدتي.
وعندما أخبرتها بما رأيته أخبرتني أن عقلي كان يخدعني بسبب ضعف الإنارة.
ذهبت إلى الفراش في تلك الليلة دون أن أفكر كثيرًا فيما حدث في المخزن، استلقيتُ على سريري وأغمضت عيني - تماما - كما في أية ليلة أخرى، ونمت بسرعة.
على الرغم من أنني نمت وكأنها ليلة عادية، إلا أن الليلة كانت ستكون صاخبة أكثر من المعتاد.
استيقظتُ في تلك الليلة وأنا أشعر وكأن أحدًا يراقبني.
فتحت عيني لأرى الظلام فقط، لم أستطع حتى رؤية ضوء الشارع خارج نافذتي.
لم تكن غرفتي مظلمة هكذا يومًا، أنا أعرف غرفتي جيدًا، فستائري شفافة، ويتسلل منها نور إنارة الشارع الكبيرة التي تضيء الغرفة دائما ليلا، كما أن ساعتي التي بجانب سريري مضيئة أيضا.
ولكني الآن أغرق في ظلام دامس، لا أرى نورا من الشارع ولا حتى ساعتي، لا أعلم أهي مغلقة؟ هل النور مقطوع عن الحي؟
في تلك اللحظة، أدركتُ أن هذا يُشبه إلى حد كبير الظلام الذي رأيته في المخزن وهذا ما أخافني.
تضاعف خوفي في لحظة عندما اعتقدت أنني رأيت حركة في الظلام.
من خوفي من رؤية أي شيء، سحبت بطانيتي فوق رأسي وصرختُ، وفي وسط صراخي سمعتُ بابي يُفتح ونداء خافتا من والدتي، التي جلست على سريري وربتت على كتفي وقامت بسحب البطانيات ببطء من فوق رأسي.
رفعت رأسي ونظرت حول غرفتي، كان الضوء قد عاد إلى غرفتي، وكنتُ أستطيع - الآن أن أرى الضوء الخافت لساعتي وهو يومض عند الساعة 2:17 صباحًا، وضوء الشارع خارج نافذتي والستائر مفتوحة بالكامل.
سألتني أمي عما حدث وأخبرتها، فأخبرتني مطمئنة أن الأمر مجرد كابوس وطلبت مني أن أعود إلى النوم، ثم قبلت جبيني برفق وغادرت غرفتي وأغلقت الباب خلفها.
كان من الصعب عليَّ أن أغفو بعد ذلك؛ لذلك كنتُ أشاهد ساعتي وهي تسيّر الدقائق ببطء.
استمر هذا الحال لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر تقريبا، لا شيء أكثر من الشعور بالمراقبة في الظلام، لكن بعدها وفي ليلة الهالوين تحديدًا، كل ذلك تغير.
لقد كانت ليلة عيد الهالوين باردة وعاصفة وممطرة، كان صعبًا علينا نحن الأطفال؛ ولكننا قمنا بجولة حول المنازل على أي حال.
عدت إلى المنزل في تلك الليلة من لعبة خدعة أو حلوى مع أمي في حوالي الساعة الثامنة مساءً وذهبت إلى المخزن؛ لألعب بألعابي قليلا قبل النوم، كنتُ أسمع صوت المطر ينقر على النافذة وصفير الريح وهي تهب بين منزلي ومنزل الجيران، كان هناك شيء مقلق أكثر من المعتاد.
بينما كنتُ ألعب، ظننتُ أنني سمعت أصواتا قادمة من غرفة الغسيل، لكن في كل مرة نظرت فيها لم يكن هناك شيء، ولم يكن هذا غريبًا بالنسبة لي لأنه كان يحدث باستمرار خلال الأشهر القليلة الماضية؛ لذلك واصلت اللعب.
لقد لعبت لمدة عشر دقائق تقريبًا عندما انقطعت الكهرباء فجأة، بمجرد انقطاع التيار الكهربائي، سمعت المزيد من الحركة من غرفة الغسيل خلفي.
نظرت خلفي على الفور لأرى وميضًا سريعًا من الضوء الأحمر، ثم الظلام، ثم الوميض الأحمر مجددًا، ثم الظلام.
وبينما كنتُ أحدق مشلولاً من الرعب، كنتُ أسمع خطوات من الغرفة المظلمة، لكنني لم أستطع رؤية أي شيء ولا حتى يدي.
كانت الخطوات تشق طريقها نحوي ببطء، ويصبح الظلام أكثر قتامة - بطريقة ما - مع اقترابها، حتى توقفت فجأة.
حركت عيني في جميع أنحاء الغرفة، مع الحرص على عدم تحريك أي جزء آخر من جسمي خوفًا من أن يراني أيا كان هذا الشيء.
جلست في صمت، أستمع إلى كل ما كان معي في المخزن، لم أتمكن من سماع أي صوت، ولا حتى المطر على النافذة أو الريح بين المنازل، وبينما كنت أستمع، وقف الشعر على ذراعي ومؤخرة رقبتي على الحافة، وشعرت بقشعريرة أسفل عمودي الفقري؛ لأنني شعرت بأنفاس ساخنة جدا تقترب مني.
ثم... سمعت... همسًا... لقد كان عميقا في أذني:
- ستكون لي يا ماجد.
صرخت على الفور وركضتُ إلى الباب، وتعثرتُ بالألعاب على طول الطريق، وخرجت من باب المخزن وأغلقتُ الباب خلفي، ركضتُ نحو أمي أبكي، فحضنتني وهي لا تعلم ما الذي يحدث.
أخبرتها بما حدث لكنها أخبرتني أن هذه مجرد هلاوس مرة أخرى، وأن ما سمعته كان مجرد صوت الريح، لكن عقلي بالغ في ذلك بسبب الظلام.
أنا لم أصدق والدتي هذه المرة، لن أكذب نظري وسمعي مجددًا، أيا كان هذا الشيء في المخزن، فهو حقيقي.
منذ ذلك الحين، رفضت الدخول إلى المخزن وحدي، بل لم أذهب له على الإطلاق.
ظللت أعاني من مشاكل في النوم، كنتُ أستيقظ في الليل وأشعر وكأنني مراقب ولا أرى شيئًا في غرفتي سوى الظلام، كنتُ أستلقي هناك أحدق في الظلام وبطانيتي ملفوفة حتى رقبتي، على أمل ألا يكون هناك شيء، ولكن بعد بضع دقائق كنت أسمع الصوت نفسه مرة أخرى:
- أنت لي، ماجد.
في اللحظة التي أسمع فيها هذا الصوت، كنتُ أسحب بطانيتي فوق رأسي وأصرخ وتأتي والدتي لتقوم بتهدئتي، وهكذا... وظللنا على هذا الحال فترة.
كانت والدتي على وشك الزواج من خطيبها، وكنا نستعد للانتقال إلى منزله تمهيدًا للزواج، كنتُ سأقضي إجازة لمدة أسبوعين مع أجدادي ريثما تنقل أمي أمتعتنا إلى المنزل الجديد، وكنتُ سأنام لآخر مرة في هذا المنزل الملعون.
لكن ما حدث في ليلتي الأخيرة في ذلك المنزل - لا يزال - يخيفني حتى يومنا هذا.
لقد نمت بسهولة في تلك الليلة، وكنتُ متحمسًا للمغادرة في إجازة في صباح اليوم التالي الجدي وجدتي، لكن يبدو أن بقية الليل لن يكون سهلا، استيقظتُ مرة أخرى في تلك الليلة، وهذه المرة على صوت التنفس، فتحت عيني فلم أر شيئًا سوى الظلام مرة أخرى.
ظننت أن والدتي كانت معي في غرفتي، فناديتها:
- أمي... أهذه أنتِ؟
لكن ما أجابني لم يكن والدتي بالتأكيد، كان ذلك الصوت العميق مرة أخرى.
- والدتك ليست هنا، ولا يمكنها مساعدتك يا ماجد، أنت أخيرا لي.
واصلتُ التحديق في الظلام وقد جف ريقي وبدأت دموعي تنهمر معتقدا أن هذا كله من مخيلتي.
ولكن عندما تكيّفت عيناي مع الظلام، تمكنت من رؤية الصورة الظلية لذلك الشخص الداكن الذي يقف في نهاية سريري ويحدقُ بي، وعلى الفور سحبتُ بطانيتي فوق رأسي وصرخت، لكن والدتي لم تأتِ هذه المرة.
شعرتُ بالضغط على طرف سريري، وكأن أحدا يجلس عليه، صرخت مرة أخرى بصوت أعلى وأنا أرتعش، وفجأة، شعرتُ بشيء يمسك بكاحلي تحت البطانية ويسحبني.
تمكنت - بطريقة ما - من التشبث بأعمدة السرير بالرغم من أنه كان يشدني بقوة من كلتا قدماي، لكني لم أصمد سوى بضع ثوان قبل أن يسحبني ويوقعني في الأرض وهو يتجه نحو أحد زوايا الغرفة.
واصلتُ الصراخ بصوت أعلى من أي وقت مضى؛ حتى كنتُ سأخسر أحبالي الصوتية للأبد.
أخيرا سمعت والدتي وهي تنهض وركضت نحو غرفتي كالمجنونة، لكن هذه المرة عندما وصلت إليه، لم يُفتح الباب، كان مغلقًا من الداخل.
كنتُ أسمعها وهي تصارع الباب لفتحه وتظن أنني أنا من أغلقه وتطلب مني فتح الباب.
استمر الكيان في سحبي نحو الزاوية الحالكة بينما واصلت الصراخ، بينما كان يسحبني فوق السجادة، حاولت الإمساك بأي شيء أستطيع الإمساك به، الشيء الوحيد الذي بدا من الممكن الإمساك به هو رجل السرير توقف قليلا عندما تمسكت بها شعرت أن الكيان بدأ يسحب بقوة أكبر، بقوة كافية لرفع جسدي عن السجادة لكنني تمكنت من الصمود.
بينما كنت أحارب الكيان استغرق الأمر من والدتي دقيقتين أو ثلاث دقائق حتى فتحت الباب أخيرًا.
عندما فتح الباب، عاد الضوء إلى غرفتي ولم أعد أشعر بقبضة كاحلي وسقطت على السجادة نظرت حول الغرفة، مرعوبا، كانت غرفتي كارثة وكأن إعصارًا أصابها.
كانت الملاء مكومة على الأرض، وكانت مرتبة السرير على الأرض بعيدة عن سريري، ولم يعد سريري محاذيًا للحائط بل كان منفصلا عنه بحوالي ثلاثة أقدام.
نظرتُ حولي بحثًا عن الكيان، لكنه لم يعد موجودا، احتضنتني أمي بقوة بينما كنتُ أبكي على الأرض.
تلك الليلة، والدتي حين نظرت للغرفة بصدمة، لم تستطع سؤالي عما حدث، اعتقدت أن سبب صدمتها هو منظر الغرفة ولكن لا، كان هناك حرقٌ على السجادة، وحرق على ذراعي، وكاحلي، وجروح وخدوش وآثار سحب في راحة يدي جراء تشبثي بالحديد.
كانت تلك الليلة، والدتي صدقتني، وظلت مستيقظة معي حتى طلع الصباح.
كانت تلك آخر ليلة لنا في ذلك المنزل، وأنا سعيد لأنها كانت كذلك.
حتى يومنا هذا، لا أعرف ما هذا الشيء أو ماذا أراد مني، لكن التفكير فيه - لا يزال - يُخيفني، في سنوات مراهقتي، وحتى الآن منتصف العشرينيات من عمري، عانيتُ مما وصفه طبيبي بالرعب الليلي، أستيقظ في منتصف الليل فلا أرى سوى الظلام، وعندما أحدق في الظلام أرى شكلا أكثر قتامة من الظلام المحيط به، ما زلت أصرخ عندما أرى الصورة الظلية في الظلام.
ولكن مؤخرًا بعد أن أصبحت أكبر سنًا، صار عندي المزيد من السيطرة على أفعالي، كأن آخذ مصباحًا يدويًا وأسلطه على أرجاء الغرفة، أو سأشعل كشاف الهاتف فحسب.
في كثير من الأحيان أستيقظ وأنا أصرخ، وأحيانًا أركض خارجًا من غرفتي، دون أن أعرف السبب.
لا أعلم إذا كان ما أراه هو الكيان نفسه الذي كان يلاحقني عندما كنت طفلا أم أنه مجرد مخيلتي.
أنا فقط أدعو الله ألا يبدأ هذا الأمر بملاحقة زوجتي أو أطفالنا المستقبليين.
تمت
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا