(8)
"خوفي منه كان في محله"
في صباح ذلك اليوم السعيد ..
بأقصى سرعة إلى مقر عمل (فهد} فالخبر السعيد الذي تلقيته لا يحتمل التأجيل إلى حين عودتنا من العمل. فاجأته بالدخول لمكتبه ودون موعد مسبق كما يفعل الجميع، غمرته فرحة واستغراب عندما رآني قائلاً:
- أهلاً بزوجتي الحبيبة، زيارة مفاجئة-، ودون موعد مسبق أيضاً،- قال جملته الأخيرة ضاحكاً-.
ردد بضحكة مشابهة:
- أنا زوجتك ولا أحتاج إلى موعد، ثم أن الخبر الذي أتي ني إلى هنا لا يحتمل التأجيل وستغضب لو علمت إنني فعلت!
- ما الأمر؟ هل أنتِ على ما يرام؟
- نعم، وسعيدة جداً أيضاً.
- أخبريني بما يجري إذا؟
- للتو كنت في المستشفى، بعد شعوري بقليل من التعب وأنا في الطريق إلى المكتب، وأخبرني الدكتور بعد الفحوصات بأنني حامل! قال وهو يكاد يطير فرحاً:
- أجمل خبر سمعته في حياتي، مبروك يا حبيبتي!
- سعيدة جداً، لكون شيء جميل كهذا يربطني بك.
قال وكأنه رجل عسكري وقد ضخم صوته بشكل مضحك:
- يجب أن تأخذي قليلاً من الراحة الآن، هيا إلى البيت.
لم أتمالك ضحكتي عند إصداره هذا الصوت، وقلت له:
حسناً، سأعود الآن أراك عند عودتك.
وفعلاً، اتجهت إلى البيت وفى طريق عودتي، قمت بعدة اتصالات، الأول: كان إخبار أمي بالموضوع التي فرحت فرحاً شديداً، فحفيدها الأول ومن ابنتها الوحيدة قادم!! وقالت بأنها قادمة إلى الآن والثاني: كان إخبار(أسماء) بالموضوع نفسه وغمرتها فرحة كفرحة أمي وباركت لي وأوصتني بالراحة من العمل اليوم، وقلت لها أن (فهد) قد سبقها بهذا، أما الاتصال الأخير ف كان لسكرتير المكتب وأخبرته إنني لظرفٍ صحي لن أتمكن من الحضور اليوم، على أن يضع جميع ما يسند إليّ من مهام على مكتبي وسأستأنف العمل صباح الغد.
ووصلتُ والدتي في الوقت نفسه، احتضنتني بحنان مباركةً لي، ودعيتها للجلوس، وصارحتها بالخوف الذي ينتابني تجاه (فهد) وأن هذا الخوف قد زاد عند علمي بأنني حامل، -وكأنني أشعر بمصيبة قادمة إليّ- فأنا لا أخفي عنها شيئاً، وإن فعلت حتماً ستشعر بي، لَمْ تتوقع ما سَمَعَته مني، وسألتني قائلة:
- ألا تحبينه؟
- نعم، وهو أيضاً.
- إذاً لِمَ هذا الخوف؟ يبدو أن موضوع الحمل والإنجاب وشعورك بالمسؤولَية، أدّى بكِ إلى هذا، لا تقلقي، سيكون كل شيء على ما يرام، أنا ذاهبة الآن فوالدك سيعود بعد ساعات قليلة ويجب أن أجهز له الغداء، اتصلي بي في حال شعرتي بضيق أو احتجتي أي شيء، واطردي تلك الخواطر الخرافية الخاطئة من عقلك.
هززت رأسي كناية عن الإيجاب وعانقتها مودعةً لها.
عند عودة (فهد) من عمله، وبعد الغداء، صارحني بكلام كان كالصفعة بالنسبة لي، وأثبت أن إحساسي وخوفي منه كان في محله، فقد قال بحزم وجدية وصرامة ودون أي مقدمات حتى!:
- لولوة، يجب أن تغلقي المشروع وتكتفي بعملك في المكتب ويُستحسن أن تقدمي استقالتك من المكتب أيضاً.
كان الخبر كصاعقة نزلت علي من السماء ولم أستوعب ما قاله، بل ظننت أنني أتوهم ما حدث للوهلة الأولى .. هل صحيح ما سمعته للتو؟
- إنكَ تمزح صحيح؟ أعلم إن الخوف والقلق سينتابك علي أثناء قيامي بأعمالي المتعبة نوعاً ما، ولكنك تعلم مدى تعلقي بها، ثم إنني في الأشهر الأولى ولا أشعر بتعب!
- نعم أعلم هذا، ولكنك ستتعبين كثيراً وهذا سيشكل خطراً عليك وعلى صحتك وطفَلك!!
- حسناً، سأوقف العمل طوال فترة الحمل، أو أدع صديقتي (أسماء) تقوم بإنجاز المهام الصعبة، وأقوم أنا بالإشراف!
- لن أكرر كلامي6، المشروع يُغلق، والاستقالة تُقدَم صباح الغد، انتهى!
- حين وافقت على المشروع وأمددتني بجزء من رأس المال، لم يطرأ في ذهنك حينها بأنني سأنجب أبناءً وأصبح أماً؟!
- كنت غبي وأحمق ولا أعي ما فعلت، والآن تندّمت على كل شيء قدمته لكِ ولن يبقى المشروع بعد اليوم!
- والعملاء؟ والعقود المُتفَق عليها؟ جميعها تحتاج ستة شهور من الآن لتنفيذها؟ لماذا تهدم ما بَنْيت؟ وتمنعني من عملي الذي أحبه؟
- لأن صديقي (سليمان) دائماً ما يقارن عملك بعملي، ويطلب مني أن أقتدي بكِ، ويقول دائماً، أنظر لزوجتك، مكانة اجتماعية مرموقة، ومنصب مهم في مكتب هندسة مشهور، وتجارتها الخاصة ودخل عالي وشهرة66، ثم إن المرأة مكانها المنزل فقط!
يبدو أن جملته الأخيرة التي كانت كالصاعقة بالنسبة لي، قالها دون أن يشعر بنفسه ودون أن يرغب بقولها حتى، أنا متأكدة من ذلك.
- "معجب بك وبمثابرتك وطموحك وإخلاصك في عملك"، ألم تكن أنت من قال لي هذا الكلام؟
ثم انفجرت مكملة:
كيف تنتقد عملي الآن، وما المشكلة حين ينصحك صديقك بالاقتداء بي(، يبدو إنك كنت تعتقد وتؤمن بمقولة إنه "ليس من العار أن تلتمس الأمان لدى فتاة "، لكنك حين فشلت في الافتداء بي، أمرتني بهذا!! هل لأنك تعيش في "مجتمع ذكوري"؟ وتظن الرجل وحده فقط هو من يحق له النجاح في حياته ويكون قدوة لغيره؟ أم تظن أن المرأة فعلاً مكانها المنزل وصدقت هذا الكلام، أو بالأحرى: هذا الهراء!!!
صحيح أنه يجب على المرأة طاعة زوجها، ولكن في أمور بعيدة عن العمل والمستقبل وضمان المعيشة في زمن "الغلاء المعيشي"، حتى وإن وُجِبَتْ الطاعة في هذا الأمر، تكون لسبب مقنع! ما تقوله لا يمت للطاعة بصلة، ثم إننا في الألفية الثالثة والمرأة دخلت شتى المجالات وترأست وحكمت الدول! وهناك مقولة عظيمة تقول: "إذا علمت رجلاً قد علمت فرداً، وإذا علمت امرأة فقد علمت أمة".
كيف لي أن أربي جيلاً، وأنا لم أعمل وأكافح؟ ألا يُجدر بي، أن روي لأبنائي وأحفادي عن عملي وكفاحي وقصص نجاحاتي؟
ثم إنني حاولت مساعدتك للتخلص من التخبط في حياتك، وأنت لم ترغب بهذه المساعدة ورفضتها!
يبدو إنه صُعق من كلامي ولم يتوقع هذه الجرأة وهذا الانفعال، فقد ظل صامتاً مذهولاً، ويبدو إنني أيضاً تسرعت وأخطأت في اختياري لرجل كهذا، يغارُ من نجاح زوجته في عملِها!؟؟
تركت له المنزل وخرجت غاضبة باكيةً، اتصلت ب (أسماء) وطلبت منها انتظاري عند منزل والدي واتصلت بأمي وأخبرتها إنني قادمة إليها، والحمد لله إنها لم تلحظ نبرة البكاء في صوتي، وفور دخولي المنزل وجدتها في انتظاري، فانهرت باكية ولم أعد أستطع الصمت أكثر، وأثناء بكائي كنت أقول لها: "خوفي منه كان في محله"، في هذه الأثناء دخلت (أسماء} احتضنتها باكية وأنا مستمرة في قول: "خوفي منه كان في محله"، لم تفهم شيئاً، حاولت أن تهدّئني، وأتت لي بكوب ماء بارد وطلبت مني أن أحكي لها ولوالدتي الأمر بِتَرَوٍ حتى يستطيعوا مساعدتي.
أخبرتهم بكل ما حدث، وإنني مصدومة ولم أتوقع منه ما قاله، وسوف أعانده وأستمر في عملي، حذرتني والدتي قائلة:
- يا عزيزتي المشاكل لا تُحل بهذه الطريقة، دعيني أعرف الأمر منه أو من أمه ..
- لا أريد أن أعرف شيء، ولا أري منه شيء، سأستمر في عملي، لن أفرط بمحبة الناس وبمنصبي الذي تعبت من أجله، وشهادتي التي تعبت وكافحت من أجلها خمسة سنوات متواصلة من الدراسة والجهد والمثابرة! ولماذا؟ من أجل رجل غيور، يغار من نجاح زوجته؟ يبدو أنه كان يحاول أن يجعلني وسيلة لينهض بنفسه ويقتدي لي ولكنه فشل في ذلك!
كنت أستمع إلى أحاديث الناس التي دائماً ما تكرر أن المجتمع ذكوري ومضطهد على المرأة وضدها، لكني لم أتوقع أن الأمر سيصل بي إلى هذا الحد، وأن هناك رجالاً بهذا التفكير!
أصرّيت على العناد والاستمرار، بحكم شخصيتي القوية العنيدة وحبي لعملي، وصباح اليوم التالي وبعد خروجه لوظيفته المزيفة والتي هي مجرد إرضاء لتخبطاته وحياته التي دون معنى، تزّينت بفستان أبيض قصير متجهةً إلى المكتب، فأما أؤمن بأن الإنسان الناجح يذهب إلى عمله بكامل أناقته وكأنه سيُقابل معشوقه ..6، طلبت قهوتي وطلبت المهام المسندة إليّ، وبعد إنهائها على أكمل وجه، اتجهت إلى المحل وبدأت بالتنسيق لجميع حفلات الزفاف والتخرج واستمريت على هذا الحال لفترة امتدت ستة شهور، وكان كل شيء على ما يرام، ومن ناحية أخرى، استمر (فهد) بنفس العناد وبمحاولة إحباطي ومنعي من الاستمرار طوال هذه الفترة وبكل عنف وغضب وصرامة لم أعتد عليهم منه، فقد جفت العاطفة بيننا، وتحول من الرجل الذي أحبه، إلى أشد ما أكره في حياتي، فأنا لم أتوقع وأتخيل أبداً بأنه سيعاملني يوماً بهذه الطريقة ويأمرني بكل هذه الأوامر من أجل "مجتمع ذكوري غبي" لا يقبل بتفوق المرأة على زوجها، وكأن الكمال والنجاح لهم وحدهم، وكأنه من العار أن يفخرون بزوجاتهم!!
في مساء يوم ما وأنا مستلقية على الأريكة أنني لم أعد احتمل ثقل الحمل في الشهر السادس، فاجئني وأسعدني اتصال من أحدى الفتيات من عائلة تهتز الآذان عند سماع صيتها، وعرفت ذلك حين عرّفتني بنفسها قائلة:
(شهد ال ...) وطلبت مني أن أقوم بتنسيق زفافها، وبالطبع وافقت دون أي لحظة للتفكير، وحددت معها موعداً في صباح الغد.
فرحة، سعادة، نشوة نجاح، شعور بأهمية عملي ..
جميعها مشاعر تنتابني وأنا بكامل أناقتي برفقة (أسماء) متجهين إلى موعدي مع (شهد) في المحل الخاص بس، بَدَت دقيقة في مواعدها جداً، حيث وجدتها في انتظاري وكانت تنتظر لدقيقتين فقط قبل وصولي -حسب ما قالت لي-، تقدمت لها ورحبت بها، وقالت:
- أنتِ (لولوة)؟
- نعم، وهذه صديقتي (أسماء) هي بمثابة شقيقتي.
- أهلاً وسهلاً، تشرفت بكما، قد سمعت عنكِ وعن مشروعكِ الكثير بين صديقاتي وأقربائي، حتى إنك نسقَتِ حفل تخرج صديقتي قبل شهرين، وأعجبني التصميم كثيراً.
- شكراً لكِ، وسيعجبكِ تصميم حفل زفافكِ أيضاً، أعدكِ6، تفضلي بالجلوس.
طلبت ثلاثة كؤوس من عصير البرتقال الطازج ودعيتها لتتطلع على الألبومات في المحل، وعلى جهاز (الآيباد) الخاص بي كنت أحتفظ بالاحتفالات التي قمت بتصميمها مؤخراً ولم يسعني نقلها للألبوم بعد.
أبدت إعجابها الشديد بعملي، وأخبرتني متأسفة أن موعد زفافها قد اقترب ولم يتبقى سوى أقل من أربعة أسابيع، فأخبرتها إن الوقت مناسب ولا داعي لقلقها، فقط عليها اختيار قاعة الزفاف والتصميم الذي تحب وسأتكفل بكل شيء، وأثناء ما كانت تتصفح الألبوم، أشارت إلى أحد الصور قائلة:
- هذا التصميم أعجبني كثيراً، فاللون الأصفر والأبيض معاً يمنحان المكان اتساعاً.
- نعم ستلاحظين إن جميع تصاميمي يدخل بها اللون الأبيض بشكل أو بآخر لهذا السبب.
- حسناً، سنعتمد هذه الألوان، وبناءً على هذا، تفنني بجميع التفاصيل الباقية، فأنا أثق بذوقكِ كثيراً، وأنت جديرة بالثقة.
وبالفعل تم اعتماد التصميم وأبلغتني بمكان القاعة وودعتني وهي تضع بي كل ثقتها، غمرتني سعادة شديدة، فلم أتوقع أن الأمر قد وصل إلى أن توهبَني فتاة مثلها كامل ثقتها للتنسيق لحفل زفافها، لدرجة إنني لم ألتقي بها إلا في يوم الزفاف ..!!
في الفترة الأخيرة لاحظ (فهد) جهدي المضاعف في عملي، وفي صباح يوماً ما، انفجر غاضباً عندما علم أنني أخذت إجازة أسبوعين من لمكتب، للعمل في هذا الزفاف، وقال لي غاضباً:
- عنادكِ لن ينفعكِ، وستتعبين في هذا الفترة من الحمل!.
- وأنا لن أنهي مستقبلي بسبب تفكيرك "الرجعي"، وإحباطي بدلاً من محاولة النهوض بنفسك6، والحمل لن يعيقني فحالتي الصحية والله الحمد جيدة، ثم إنك لم تذق طعم النجاح من قبل، فلن تشعر بما أشعر به، هل تظن أن عملي وظيفة حكومية أتركها بعد ثلاثة شهور من بداية عملي بها؟
وقبل أن يرد يغضبه الذي اعتدته منه في الفترة الأخيرة، تركته وخرجت فلا وقت لدي لهرائِه، وموعد زفاف (شهد) قريب.
(9)
"من الذي يفسد كل شيء!؟"
بدأ العمل جدياً لهذا الحدث الذي أظن أنني أترقبه أكثر من ترقُب (شهد) له، وتبقى أسبوع فقط وأصبح جُل وقتي متنقلة بين المحلات التي أتعاقد معها، وقاعة الزفاف ومحلي الخاص، وإن هذا كله يتم برفقة حبيبتي (أسماء} فهي لم تتركني أعمل وحدي، خوفاً علي من الإرهاق والتعب.
اخترت للحفل وروداً باللون الأصفر والأبيض، وتوجهت لمحل الورود وأبلغته بالتصميم المطلوب والعدد، ومن ثم تأكدت من كعكة الزفاف بورودها البيضاء الصغيرة ونقوش صفراء وذهبية بسيطة، تبقى خدمة الضيافة والحلويات، اخترت محلاً أتعاقد معه في مجمع "الصالحية" الشهير في (الكويت} واقتنيت حلويات بعدد وشكل يتناسب مع التصميم، وأخبرتهم بأن زي الخدمة يجب أن يتناسق مع الألوان التي اخترتها للحفل.
عدت إلى المنزل متعبة، ففي هذه الأشهر من الحمل وبهذا الجهد، حتماً سأُصاب بالإجهاد، قررت أخذ راحة لمدة يومين، ومن ثم إكمال ما تبقى من العمل، فلدي متسع من الوقت.
في صباح أول يوم راحة استيقظت متأخرة قليلاً، ورأيت (فهد) قد تجهز للتو للذهاب إلى عمله، وعندما رآني هممت للقيام من السرير، قال بنبرة استهزاء:
- لا يوجد حفل زفاف اليوم؟
- بعد خمسة أيام.
- وكيف لا تنتقلين بين محلكِ ومحلات الورود والمتبقي خمسة أيام؟
- أخذت راحة لمدة يومين، فعملي يسير بانتظام كما خططت له.
- قلت لك مسبقاً، هذا سيتعبك وأنتِ الآن على وشك الولادة، ستحتاجين للراحة حتماً.
لا أعلم لِمَ أصبحت لا أطيق صوته، قلت له بصرامة:
- أنا بخير، ولَم أشتكِ حالي لأحد.
تركني وخرج بصمت وهدوء، دون صراخ وغضب كعادته!
شعرت بالملل، فلا شيء أقوم به طوال اليوم، فأنا معتادة على العمل دائماً قررت الاتصال بصديقتي (أسماء) لنتسلى لجين قدومه من العمل، فهي قد أخذت إجازة من عملها لتبقى بجانبي إلى أن يحين موعد ولادتي.
وبعد ساعة، جرس المنزل يرن، إنها هي بكل تأكيد، فتحت الباب وابتسمت لرؤيتها، فهي بمثابة أختي وتعرف عن وضعي كل شيء، وأرتاح لها كثيراً، رحبت بها قائلة:
- غريب6، لم تتأخري كعادتكِ.
- تلبية لرغبتك ولشعورك بالملل فقط، - قالتها ضاحكة -، وأكمَلتْ:
- أتيت لكِ ببعض الأفلام لنشاهدها ونُفطر معاً، هل أعددتِ إفطاراً؟
- لا، فأنا في راحة لأستطيع إكمال أمور الزفاف، قومي بطلب الإفطار من أحد المطاعم، وقامت بهذا بالفعل ..
تناولنا الإفطار أثناء مشاهدتنا للفلم الذي أقل ما يُقال عنه: "سخيف وممل"، فشعرت (أسماء) بالشيء نفسه، وقالت:
- لا أعلم كيف أتيت بفيلم سخيف كهذا! المعذرة!
- لا داعي للاعتذار، أردت أن أشغل وقت فراغي فقط.
- هل استجد أمراً مع (فهد). هل مازال مصراً على عناده؟
- نعم لا شيء جديد، فقد سمعت منه صباح اليوم كلامه المعتاد، الذي أظن أنكِ قد حفظتيه.
- أعلم ما قاله جيداً، أخبريني عنك، ما الجديد في العمل، هل كل شيء على ما يرام لزفاف (شهد).
- نعم، ولهذا أخذت قسط من الراحة، فأنت تعلمين جيداً بأن لدي متسع من الوقت، وكنت برفقتي أثناء قيامي ببعض التجهيزات.
قالت ضاحكة:
- صحيح، بعضها وليست كلها، فأنت تعلمين بما أمرُ به جيداً.
- نعم نعم، ذلك الشاب الذي تقدم لخطبتك، متى سيقام حفل الخطوبة؟
لا أعلم لِما أجابتني بارتباك واضح قائلة:
- لم يُحدد بعد، سأبلغك حين إتمام جميع أموري بكل تأكيد.
- ماذا عن أسمه ووظيفته ومكانته؟ هل منصبه جيد؟ إنها المرة الأولى التي لا تفصحين فيها عن التفاصيل! لم أعتد على هذا الأمر منك؟
طغى الارتباك على ملامحها مرة أخرى، لكنها تداركت الوضع وقالت ضاحكة:
- لا داعي لاستغرابك، كل ما في الأمر إنني انشغلت معك وبتفاصيل زفاف (شد) ولم أجد الوقت المناسب لأحكي لكِ عن التفاصيل، هل تودين أن أقوم بتغيير الفيلم؟
استغربت من ارتباكها وعدم إفصاحها لي عن تفاصيل أمر مهم كهذا وتغييرها لمحور الحديث، فهي مقربة كثيراً لي وبمثابة أختي، ولكن شعوري بالإرهاق لم يتحِ لي الإصرار على معرفة كل شيء، أجلت كل شيء للوقت المناسب، وشاهدنا فيلماً آخراً، غادرت بعده (أسماء} وتبقى ساعتين على وصول (فهد} أرسلت له رسالة نصية أخبرته بها إنني لم أعد له الغداء اليوم وليأتي بغداءٍ معه في طريق عودته إن كان يرغب بذلك، ففي هذا اليوم تحديداً، لا أعلم لما أصبحت لا أطيقه أبداً، ولا أحتمل أن أقوم له بأي عمل قط، ونمت في الغرفة الأخرى حتى لا ألتقي به حين يعود، واستيقظ حين ينام هو بعد الغداء ..
وفعلاً، قمت بهذا، حيث إنني حين استيقظت وجدته نائم في غرفتنا، -لا أعلم إن كان بعد هذا الجفاف الذي أصابنا، هل يجب علي الكف عن تسميتها ب "غرفتنا"(-، المهم خرجت ذاهبة لمنزل والدي، لأستغل أيام إجازتي في الاستمتاع مع أمي الحبيبة..
لم أخبر أمي عن الجفاف الذي أصاب علاقتنا، بسبب عنادي، لأنها تعلم إلى أي مدى أنا عنيدة ولن أخضع له مهما حصل! ولن ألتفت لأي نصيحة ستوجهها لي ..
من حسن الحظ إنها لم تناقشني بهذا الأمر، فقد كان هناك أمر يشغل بالنا أكثر، وهو أن شقيقي (أحمد) على وشك أن تُلغى بعثته لعدم انضباطه في الجامعة، وحقيقة أنا لا ألومه، فهو مُجبر، ولا أحد يستطيع المواظبة في دراسة لستة سنوات أو أكثر في تخصص لا يحبه ولا يميل له، المهم إنني قضيت اليوم الممتع بأكمله معها وتناولت العشاء مع أفراد أسرتي الذين اشتقت إليهم كثيراً، وتعمدت أن أعود إلى منزلي في وقت نوم (فهد).
مرت الأيام المتبقية على الزفاف المنتظر، بنفس الحال، وليس هناك جديدٌ يُذكر ..
وفي صباح يوم الزفاف، استيقظت بعد الظهر بقليل، من شدة الأرق والقلق اللذان أصابني في الليلة الماضية، حيث إني لم أنَمْ جيداً ..
وخرجت مسرعة إلى الصالون، فيجب أن أتزين، لأنني من أول المدعوين على حد قول (شهد} ولأنسق الحفل على أن يتم بأروع شكل، وفي طريقي اتصلت بمحل الورود، للتأكيد على الطلب والعدد، فأخبرني أن كل شيء على ما يرام حسب التعديلات الأخيرة التي قمت بها، وقمت بالشيء ذاته مع محل الحلويات، وأخبرت العاملين إنني قادمة بعد ساعتين، وأثناء تواجدي في الصالون وأنا على وشك الانتهاء من التجهيزات والخروج، اتصلت (شهد) و.. صعقتني! نعم صعقتني، قالت ما لم أتوقعه أبداً وهي في قمة غضبها:
- كيف لكِ أنت تغيري كل شيء دون الرجوع إليّ؟ تغيير بلون الورود ونوع الحلويات والإضاءة والديكور، كل ما في القاعة ليس كما اتفقنا!! يبدو إنك غير محل الثقة التي منحتك إياها!
وأغلقت الهاتف ولم تمنحني الفرصة لأرد عليها، أو أفهم ما حدث -إن صح التعبير-.
استغراب وذهول!! وانطلاق بأقصى سرعة إلى قاعة الزفاف، كان أول من رأيته البائع الذي أتعامل معه دائماً في محل الورود، انفجرت غضباً في وجهه قائلة:
- كيف لك أن تتجزأ تغير كل ما طلبت حسب مزاجك؟ وتضعني في هذا الموقف المحرج؟
- قبل أربعة أيام أتت إلى الفتاة التي تصطحبينها معك دائماً إلى المحل، وقالت إنك ترغبين في هذا التغيير!! وأنتِ من أبلغها بذلك!
لم أستوعب الصدمة (أسماء)؟ معقول؟؟ 666، نعم الآن فهمت لماذا قال لي اليوم "كل شيء على ما يرام حسب التعديلات الأخيرة" 666، أجبته محاولة فهم الموضوع أكثر:
- لم أأمرها بأمر كهذا أبداً!
- صدقيني!! هذا ما حدث بالتحديد، أنت برفقة شاب، وأخبرتني بالتعديلات، وقمت بها، لأنني أعلم أنها صديقتك المقرّبة ورأيتها برفقتك لأكثر من مرة، لكنها كانت المرة الأولى التي أرى بها ذلك الشاب ..
كانت (شهد) خلفنا تستمع للحديث الذي دار بيني وبين بائع الورود، وقالت باستهزاء:
- كيف تملكين مشروعاً وتديرينه وأنت آخر من يعلم بمستجداته؟
- صدقيني !! هذا ما حدث بالتحديد، أتت برفقة شاب، وأخبرتني بالتعديلات، وقمت بها، لأنني أعلم إنها صديقتك المقرّبة ورأيتها برفقتك لأكثر من مرة، لكنها كانت المرة الأولى التي أرى بها ذلك الشاب ..
كانت (شهد) خلفنا تستمتع للحديث الذي دار بيني وبين بائع الورود وقالت باستهزاء:
- كيف تملكين مشروعاً وتديرينه وأنت آخر من يعلم بمستجداته؟
- صدقيني، لا أعلم شيء عن ما حصل و...
قاطعتني قائلة بغضب:
- يبدو إنني كنت مخطئة في اختياري! اخرجي من هنا حالاً ولن تستلمي أي مبلغ من مستحقاتكِ، ودعيني وشأني ولا تثرثري وتتقمصي دور المسكينة، فلا وقت لدي، الزفاف بعد ساعات قليلة، علني أصلحِ ما لأستطيع إصلاحه!
تركتني وخرجت ...
جميع العاملين قالوا ذات الكلام الذي قاله بائع الورود! وهذا ما صدمني فعلاً ..
هل يُعقل؟ (أسماء)؟ إنها هي بكل تأكيد .. لا أحد يرافقني في عملي دائماً سواها .. !! لماذا؟ ما هدفها من هذا كله؟ هل تغار مني هي أيضاً؟ ومن ذاك الشاب الذي كانت برفقتهِ؟ وكيف لم أشعر بكل ما خططت له؟
علي الذهاب إليها بنفسي وفهم كل ما في الأمر!
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا