21. الفراق الزوجي
أبعث لكم بمشكلتي وأنا بغاية القلق والاضطراب بعد أن شعرت أن وضعي لم يعد صحيحاً.
أنني سيدة في الخامسة والعشرين من العمر .. جميلة وعلى قدر كبير من الثقافة والعلم. ومع ذلك عجزت عن حل مشكلتي الخاصة التي تواجهني بصورة دائمة من خلال علاقتي بزوجي. فهو يكبرني سناً ومتفهم لكل ما يمكن أن يتسبب في مضايقتي. ورغم تفهمه لوضعي إلا أنه لم يتفهم بعد أهمية وجوده معي وإصراري على أن يكون بقربي كي يشاركني حياتي الزوجية، فهو بسبب أعماله كثير السفر لا يتواجد معي إلا لبضعة أيام في الشهر مما يكدر علي حياتي. فأنا المرأة والرجل في آن واحد، مطالبة دوماً بملاحقة كل الأمور الخاصة والعامة. ولولا معرفتي المسبقة بأن زوجي قادر على الاستقرار معي في منزلنا الزوجي لما طلبت منه عدم السفر، ومع ذلك فإنه يصر دوماً على السفر بحجة الأعمال المتراكمة عليه، مؤكداً لي بأن في السفر مورداً للرزق وأنا بدوري لا أقتنع بهذا الكلام.
السؤال الذي اتوجه به إليكم هو: هل استمر على هذا المنوال نفسه أم اواجهه بموقف قد يؤثر علي سلباً ولا يقنعه أم انتحر؟
راويه. ي
سأتناول الجواب على حالتك بالقول فوراً بأن تستبعدي فكرة الانتحار لأن ما ذكرتيه في رسالتك لا يستوجب التفكير بأي شكل عدواني.
أما مصارحة زوجك في كثرة أسفاره، فلعله الأحسن لو تتأكدي من النتائج المادية والمعنوية التي يجنيها زوجك من كثرة غيابه. مثلاً .. هل يتطلب عمله المدة التي يتغيب بها عن البيت .. أم أن هناك أموراً أخرى هي التي تجبره على المكوث مدة طويلة خارج بيته.
ما تعانيه من فراق زوجك يعانيه ملايين النسوة في الأقطار العربية من جراء سفر أزواجهم إلى دول الخليج العربي، وإلى سفر المواطنين العرب في الشمال الأفريقي إلى فرنسا وأوروبا. وهناك قرى في المغرب لم يبق بها رجال دون الأربعين من العمر نتيجة لهجرة الأزواج للعمل في الخارج لكسب قوتهم.
وبعيداً عن المعايير الأخلاقية التي تفرضها التقاليد والأعراف من نتائج هذا الفراق أمور عدة منها:
1. ربما كان أسقاط مشكلتك على رحيل زوجك المتكرر هو نتيجة لفارق العمر بينكما، لم تحددي كم هو الفارق؟
2. شعورك وأنت بهذه السن بغياب رجل البيت مما يفقدك العنصر الاجتماعي في حياتك.
3. في مجتمعاتنا التي تكثر فيها الثرثرة نتيجة الفراغ الفكري، توجه أحاديث الناس إلى أمور شخصية كمادة لقضاء ساعات الفراغ .. كطلاق فلانة وزواج الشخص الفلافي أو كثرة غياب الزوج عن بيته أو عن البلاد. وهذا عامل كبير في إزعاج الشخص الذي يدور حوله الموضوع.
4. حالة مثل حالتك قد تؤدي بك إلى أن تكوني عصابية، فأنت تنشدين الاستقرار الزوجي والعائلة المكتملة بينما الأمور تجري بعكس ما تريدينه. وتزداد حدة الصراعات في حياة المرأة المتعلمة بحقوقها الزوجية أكثر من المرأة غير المتعلمة غير الواعية بهذه الحقوق، ورغم ذلك فإن المرأة الطبيعية غير المتعلمة هي أقل المجموعات أقداماً على العلاقات الجنسية خارج الزواج، على حين أن المرأة العصابية المتعلمة هي أكثرهن أقداماً على هذه العلاقات. ولو أضفنا إلى ذلك أن سيطرة الزوج وعدم تفهمه لمعاشرته زوجته يزيد في حالة الطبيعيات غير المتعلمات، نرى أن المرأة العصابية المتعلمة أكثر من غيرها جرأة في البحث عن إرضاء رغباتها، وأكثر رفضاً لواقعها ولسيطرة الرجل، رغم أن حياتها أفضل بالنسبة للمرأة الطبيعية، وبالذات التي لم تدخل المدرسة.
أن القلق أكثر أنواع العصاب انتشاراً بين المتعلمات. وهذا معناه أن التعليم يجعل المرأة أكثر وعياً بوجودها. ومن ثم أكثر وعياً بالصراع من أجل أثبات وجودها وتحقيق ذاتها، وبالتالي لا تعرف في حياتها. فالقلق ليس إلا قلقاً على الوجود كنوع من العصاب.
القلق هو مرض النساء القويات الصامدات في وجه التحديات، والهستيريا والخوف هما مرض الضعيفات العاجزات عن المواجهة. ولهذا فإن علاج القلق هو تسليح المرأة بقوة وإمكانيات أكثر للانتصار على التحديات وقهرها وتحقيق ذاتها كإنسانة متكاملة. ومن هنا يأتي في الأهمية وعي المرأة للمشكلة التي تجابهها.
في مجتمعاتنا نرى أن أكثر صفات الزوجة تفضيلاً عند الزواج هي قدرة الزوجة على قيامها بواجبها كربة بيت ومدبرة للشؤون المنزلية وأن تكون مطيعة ومتعاونة. وبالنسبة للأزواج فإنهم يفضلون من صفات الزوجة الطاعة أولاً، ثم القدرة على الصبر والصمود أمام الأزمات، والمشاركة في تقدير ما يتعرض له الزوج من ظروف.
أن كثيراً من الصراع بين الزوج وزوجته لا ينتهي دائماً بخضوع الزوجة الكامل، وإنما هو خضوع جزئي أو ظاهري خوفاً من الطلاق أو المشاكل مع الزوج، وتظل المرأة في أعماقها محتفظة بصفاتها الطبيعية غير المستحبة من الزوج، وأهمها تلك الصفة التي يطلق عليها الزوج اسم صلابة رأي الزوجة أو عنادها. أن إفصاح الزوجة عن رأيها يعتبر في نظر الزوج نوعاً من العناد، لأن الزوج يرى عرفاً وقانونا أن الزوجة واجبها الطاعة فقط وليس لها أن تناقش أو يكون لها رأي، فإذا كان لها رأي، فهذا ليس ميزة فيها كإنسانة تفكر وتعتز برأيها، وإنما هو عيب وصفة غير مستحبة توضع تحت عنوان العناد وصلابة الرأي، ويحاول الزوج أن يصلح زوجته وذلك بأن يحولها من زوجة لها رأي إلى زوجة بلا رأي، ورأي زوجها هو رأيها. فإن فشل في إصلاحها فالويل لها، الطلاق أو الزواج بأخرى، أو الشتم أو الضرب وفي حالة الأزواج المثقفين أو المهذبين فإنه الإهمال أو الهجران، والتسلل إلى عشيقة أو امرأة أخرى تعترف له أنها تطيعه طاعة عمياء، لأن رأيه صائب مائة في المائة، ولأنه لا يخطئ أبداً، ولأنه ليس بشراً ولكن آلة في تمام الدقة.
وفي حالة المرأة العاملة تصبح المشكلة حادة خاصة إذا كانت ذكية ومثقفة، لأنها تضطر في كثير من الأحيان أن تتظاهر بالغباء من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، أو تضطر إلى تنفيذ رأي زوجها الخاطئ لأنه مصر عليه ورافض لرأيها. وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى إصابة النساء المتزوجات بالعصاب أكثر من النساء غير المتزوجات والنساء الذكيات المثقفات أكثر من النساء غير المثقفات.
من خلال هذا التحليل بإمكانك تقرير مستقبلك القادم؟
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا