اللافيزيا الحسية

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-07-25

27. الافيزيا الحسية 

لي طفل في الثامنة من العمر، جميل الشكل، بهي الطلعة، يشيع البهجة والحبور في بيتنا الصغير .. ورغم هذا فغنه يخطئ حين يقول كلمات معينة. فمثلاً كلمة سينما ينطقها شينما، وكلمة باسل ينطقها فاشل .. الخ. ولقد كان لسان حالي يقول أن الولد لا زال صغيراً ولكن أقرانه أصبحوا ينطقون الكلمات والمعاني بشكل جيد.

فيما تحلل هذه الحالة؟

الهام. و

يطلق في علم النفس على مجموعة العيوب التي تتصل بفقد القدرة على التعبير بالكلام أو الكتابة، أو عدم القدرة على فهم معنى الكلمات المنطوق بها، أو إيجاد الأسماء لبعض الأشياء والمرئيات، أو مراعاة القواعد النحوية التي تستعمل في الكتابة أو الحديث اسم الافيزيا الحسية.

ولقد كان تصور أن حدوث أي خلل في المركز السمعي الذي يقع في الفص الصدغي من الدماغ، كما أشار إلى ذلك العالم فرنك، يسبب أتلاف الخلايا التي تساعد على تكوين الصور السمعية للكلمات. وينتج عن هذا الاتلاف ظاهرة مرضية كلامية معروفة باسم العمى السمعي. والمصاب بهذه العلة يفقد القدرة على تمييز الأصوات المسموعة وإعطائها دلالتها اللغوية، بمعنى أنه يسمع الحرف كصوت، إلا أنه يتعذر عليه ترجمة مدلول الصوت الحادث.

وتكمن المشكلة هنا إنها لا تتصل بالقدرة السمعية لدى الفرد، فهي عادية، بل تنشأ عن اضطراب في القدرة الإدراكية السمعية. ومن الأمثلة التي توضح ذلك، أننا عندما نتفوه أمام طفل يعاني هذا النقص، بحرف (الباء) مثلاً، ونطلب منه تكرار ما سمع، نجده يقول (فاء), كما هو شأن ابنك. وما يقال عن هذا الأبدال السمعي الذي ينصب على حرفي الباء والفاء يقال كذلك على الحروف الحلقية (الجيم والخاء). بيد أنك إذا كتبت للطفل حرف (الباء) وطلبت منه قراءته، فإنه يقرأه صحيحاً. فكأن العيب يتصل بالإدراك السمعي وليس بالإدراك البصري.

أن العمى السمعي إما أن يكون جزئياً، أي قاصراً على بعض الحروف دون الأخرى، أو كلياً فيشمل معظم الحروف الهجائية. ومرد ذلك راجع إلى مدى إصابة المراكز المخية الخاصة، والتي تكون في الغالبية من الحالات الولادية، أي أن الطفل يولد بها. ومن ثم يلاحظ عندما يصل الطفل المصاب إلى تلك المرحلة من مراحل النمو التي تسمح له بالتعبير عن أفكاره بالكلام، نرى أن الطفل ينطق بكلمات كثيرة، إلا أن نطقه لها يختلف عن النماذج الكلامية العادية المألوفة. وتكون لغة أمثال هؤلاء الأطفال عبارة عن لغة خاصة لا يستطيع فهمها إلا الأشخاص المتصلين اتصالاً مباشراً بهم، كالأم مثلاً أو الأخوة، بينما يتعذر على الأشخاص الغرباء متابعة كلامهم، ويطلق على هذا النوع من الكلام المعيوب (الكلام الطفلي) الذي لا يسير على قاعدة معينة، إذ يشتق الطفل لغته على حسب إمكانياته العقلية الحسية.

وما ترديد الطفل للكلمات التالية ومعناها سوى دليل لما نقول:

فكلمة كوف تعني طربوش، وكلمة لساس تعني شباك وغير ذلك.

والملاحظ أن الطفل تعلم مثل هذه النماذج الكلامية الخاطئة نتيجة للخل الموجود منذ الميلاد في المراكز السمعية الكلامية، فحدث نتيجة لذلك الخلل اضطراب في تكوين الصور السمعية للكلمات. هكذا تكونت لدى الطفل تلك المجموعة الخاطئة، غير المألوفة، من المفردات والعبارات.

ومن ضمن ما تشمله الافيزيا الحسية التالي:

1. العمى اللفظي، ويقصد به أن المصاب بهذه العلة يستطيع قراءة الكلمات المكتوبة أو المطبوعة، إلا أن قراءته لها تكون غير مضبوطة. بمعنى أنه يفهم ما يقرأ، ولكنه عندما يتلفظ بمضمون ما يقرأ، نجده يبدل الحروف، مثلاً حرج بدلاً من خرج، أو يقلبها: تكب بدلاً من كتب، أو يمسكها: عمد بدلاً من دمع.

وكثيراً ما يكون الأبدال جزئياً، أي قاصرا على حروف خاصة، ويغلب ذلك في الحروف المتقاربة في الشكل، كحرفي السين والشين والجيم والخاء، أو يكون شاملاً لعدد كبير من الحروف الهجائية.

والغريب في الموضوع إذا طلبت من المصاب أن يقلد عن طريق السمع نفس الحروف التي يبدلها أثناء القراءة الجهرية، فإنه يقلدها تقليداً صحيحاً. ومعنى ذلك أن الخلل متصل بالمراكز البصرية للكلمات، دون المراكز السمعية.

أن العلاج في هذه الحالات يتطلب العناية بتدريب المصاب على ربط المقاطع المكتوبة بنطقها وبحركات أعضاء الجهاز الكلامي التي تستخدم في النطق. ويحسن بالمعالج أن يشير إلى الحرف أثناء قراءة المصاب له، لأن ذلك يساعد على ربط الحرف المنطوق بشكله. وعندما تتقدم عملية العلاج، لا مانع أن يشجع المصاب على أن يقوم بعملية الإشارة بنفسه.

2. مصاداة الألفاظ أو ترديدها: ويقصد بها حين السؤال (ما اسمك؟) فإن الإجابة لا تتعدى تكرار الكلمات التي يتضمنها السؤال ويلفظ بها المتكلم، فيقول: ما اسمك .. ما اسمك، دون ذكر اسمه.

3. الافيزيا الفهمية: العلة هنا تتصل بالقدرة على فهم الكلمات المنطوق بها. وقد يكون عدم الفهم كلياً أو جزئياً، معنى أنه في الحالات الأخيرة، يستطيع المصاب أن يدرك المعاني الجزئية، كما ترد في العبارات التي يسمعها، إلا أنه يتعذر عليه إدراك المعنى العام. وقد يحدث أحياناً عند قراءة المصاب لفقرة في كتاب أو جريدة يومية، أن يتعذر عليه إعطاء ملخص لما يقرأ لغموض بعض المعاني عليه.

إن مشكلة المصاب هنا، لا تتصل بالنطق وتقويم الحروف، كما هو الحال في الافيزيا اللفظية، بل تنحصر المشكلة في فهم مدلول الكلمات وما تتضمنه من معنى. فالمصاب حينئذ يستطيع أن يتمتم بكلمات صحيحة النطق، وسليمة من حيث مخارج الحروف، إلا أن هذه الكلمات لا ارتباط بينها، ولا تدل على معنى تام إذا اقترنت ببعضها.

إضافة إلى ما ذكرناه تلعب البيئة التي يعيش فيها المريض، والعوامل النفسية المختلفة كالتشجيع وتقوية الروح المعنوية والسرور والغبطة، الأثر الحسن على سرعة إعادة ما فقده. ولذلك تحدث الصدمات النفسية والاضطرابات الانفعالية نتيجة عدم الاستقرار في البيئة المنزلية والتفاهم بين الزوجين وهو ما يعكس ذلك على العلاج.

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا