الأطفال والجنس

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-08-24

 الأطفال والجنس 

فوجئت وأنا اقرأ، إحدى المجلات، التي جاء بها أن الأطفال يكون لهم ميل جنسي وهم في صغرهم، وأن طبيعة هذه (الجنسية) هي التي تظهر عندما يكبرون، وتتخذ المسار الذي وجدت فيه في السابق.

أن السؤال الذي أوجه وأنا ربة أسرة هو كيف تظهر هذه الميول وهل يلاحظها الأهل؟

عفاف. ع

أن دراسة الجنسية في الطفل من وجهتها النفسية حديثة العهد إذا قارناها بدراسة غيرها من الوظائف. ويرجع الفضل الأكبر في إماطة اللثام عن المظاهر الجنسية في سلوك الطفل إلى فرويد ومدرسته المعروفة بالتحليل النفساني. فقد صور فرويد مراحل الجنسية في نظريته على أنها المراحل العادية التي يجتازها كل طفل حتماً. غير أنه لم يكشف هذه المراحل بدراسة الطفولة مباشره بل بدراسة الحالات الشاذة في البالغين وبالرجوع في ضوء المعلومات التي حصل عليها أثناء العلاج إلى ما يجب أن تكون عليه مراحل النمو في السنين الأولى من حياة الطفل.

وكانت الاعتراضات التي وجهت إلى هذا المنهج هي قصره على الحالات المرضية ثم الاعتماد على الاستنتاج التركيبي أو الاستدلال على ما كانت عليه السنين الأولى بما هو ملاحظ الآن في سن العشرين أو الثلاثين. فمعارضو فرويد يطعنون خاصة في قيمة الأدلة التي يستند إليها لتقرير نشاط جنسي في الطفل وإظهاره في صورة غاية في التعقد والتشعب، بل في صورة مشوهة إذ يعزو فرويد إلى الطفل سمات الشخص المنحرف المريض. وفي رده على معارضيه يقول إن موقف المؤلفين الذين ينكرون وجود نشاط جنسي لدى الطفل يرجع إلى سببين هما:

الأول: ذاتي خاص بالمؤلفين أنفسهم حيث إمساكهم عن الكلام في النشاط الجنسي عند دراسة نفسية الطفل لأسباب خلقية عرضية، ولاعتقادهم بأن المظاهر الجنسية لابد أن تتبع مظاهر الوظيفة التناسلية فحصروا كل ما هو جنسي في دائرة ما هو تناسلي على وجه التحديد.

ثانياً: سبب موضوعي خاص بأحوال الطفل النفسية وهو أهمها، فهو نسيان الطفل حوادث حياته الأولى حتى السنة الرابعة أو الخامسة وذلك بتأثير ما يعرف بالكبت اللاشعوري، والاعتقاد بأن هذا النسيان نهائي، من المحال علاجه واستعادة ذكرى الحوادث التي شملها. والواقع أن فرويد يدور حول هذه النقطة المركزية وهي الكبت. فطريقة التحليل النفساني ترمي إلى غرض واحد هام: هو استرجاع الذكريات الوجدانية المنسية المكبوتة. وبهذه الكيفية يسهل الكشف عن شعور الطفل بوساطة دراسة الآثار التي تركتها التجارب الوجدانية الأولى في شعور البالغ.

من هنا فالعقد النفسية هي اضطرابات في التصرفات الناشئة عن رغبات، ومخاوف، وأنواع من القلق، وهموم مرتبطة بعاطفة قوية مكبوتة في اللاشعور، وتتركز في العامل الجنسي، ويمكن في الغالب تعقب آثارها إلى مرحلة الطفولة المبكرة، واكتشاف الصدمة التي أحدثتها. وبمرور الزمان نمت الصدمة مع النمو العام. وصدمات الطفولة في الغالب ذات طبيعة جنسية، وقد ظهر هذا الاتجاه في اعترافات الشبان المصابين بعلل عصابية في زياراتهم للعيادات الفرويدية. ويقول فرويد أن الدوافع الأولية إذا سارت في طريقها في سهولة ويسر، فإن الفرد لا يصاب بالعلل العصبية. وأن الدافع الشامل لكل الدوافع هو اللبيدو وفيه يسود الجنس، وهو منبع العقد النفسية. وبهذا غزا التحليل النفسي غرف تربية الأطفال، أو بعبارة أكاديمية صار اتجاهه نشوئياً. وكانت مشكلته أن يتتبع نشوء اللبيدو. واللبيدو هو الشهوة. واللبيدو والجنس لفظتان مترادفتان تقريباً في اللغة الفرويدية. ومن الجائز أن تحل إحداهما محل الأخرى.

وأهتم فرويد خاصة بحالات المرض والانحراف وهو يعتبر هذه الحالات ناشئة عن وقوف النمو الجنسي والوجداني عند مرحلة طفلية أو عن الارتداء إلى هذه المرحلة تحت تأثير انفعالات قوية أو تجارب مؤلمة تؤدي إلى تضعضع الشخصية وتفككها.

كما أن هناك أيضاً مبدان متنافران يتنازعان شعور الفرد وسلوكه هما مبدأ اللذة ومبدأ الواقع. فكل ما يعمله الفرد للحصول على لذة عاجلة أو لتجنب ألم يكون خاضعاً لمبدأ اللذة. وذلك المنهاج في السلوك خاص بالحياة اللاشعورية وبالأطفال وبالعصابين أي المصابين بأمراض نفسية.

في الطفولة تحدث عمليتان متصلتان إلى حد ما، الأولى تركيز اللبيدو في مناطق الجسم المثيرة للذة، والثانية الكشف عن الشخص الآخر الذي سيصبح موضوعاً خارجياً للعشق أو التعلق الجنسي. وتحدث العملية الثانية في المرحلة القضيبة.

 أن المولود الحديث ينزع إلى البحث عن اللذة الجسمية لمجرد التمتع بها أو لما تحدثه من أرضاء أو تخفيف للتوتر والضيق. ومن مصادر اللذة تنبيه العضلات وسطح الجلد بالدلك والمداعبة. غير أن اللذة سيتركز بكيفية خاصة في بعض المناطق دون أن يكون في بادئ الأمر صلة بين منطقة وأخرى. وهذه المناطق هي الأغشية التي تكسو الشفاه والخدين واللسان والثديين والاست ومجاري البول وما يتعلق بها. وستتجمع هذه اللذات الفرعية فيما بعد وتتلاقى في سن المراهقة، ومن الملاحظ أن عملية التجمع والتوحيد تتبع تكوين معنى الشيء المحبوب أو معنى موضوع الحب أو العشق.

وبما أن المرحلة الفمية هي المرحلة الأولى التي يكون فيها اللبيدو مركزه في منطقة الفم، فإن الرضيع يحصل على اللذة بوساطة الرضاعة ومص الإبهام، ثم بعد حين بالعض والمضغ وهما من مظاهر الميل إلى العدوان والتحطيم. ويصف فرويد هذه اللذة بأنها مرحلة التعشق الذاتي البدائي، أي أن اللبيدو لا يكون موجهاً نحو غرض أو موضوع متميز عنه غير أن هذه التسمية مضللة إذ لا يوجد في الواقع في هذه المرحلة ما هو شبيه بالتعشق، إذ أن العشق يقتضي وجود طرفين متميزين، والطفل في الشهور الأولى عاجز عن أن يدرك أنه ذات، فهو لا يزال في مرحلة اللاتغاير حيث لا يوجد تمييز واضح بين الأنا واللا أنا. أما تعلق الرضيع بأمه فهو بمثابة تعلقه بأي جزء من جسمه من شأنه أن يشبع رغبته في اللذة. ذلك لأنه لا يتعلق بأمه من حيث هي ذات متميزة عن ذاته، بل من حيث هي مجرد طعام له.

يعقب هذه المرحلة، أي بعد ثلاثة أو أربعة أشهر أن يفقد التلذذ الفمي سيطرته ليحل محله في المرتبة الأولى التلذذ الاستى. غير أنه في بعض الأطفال يظل التلذذ الفمي متغلباً فيشاهد في بعضهم استمرارهم في مص الإبهام حتى السنة الثالثة أو الرابعة. وتفادياً لهذه العادة السيئة - وهي سيئة لأنها تعوق التطور الطبيعي - يجب حرمان الطفل من المصاصة الصناعية قبل انتهاء السنة الأولى من طفولته.

ونلحظ في المرحلة الاستيه تغير في سلوك الطفل، حيث يأخذ بتمييز الأشياء الخارجية المتميزة عنه ومن ضمن هذه الأشياء برازه، هذا الشيء الذي منه والذي سينفصل عنه. ويمكن القول إن التعشق يظهر لأول مرة في هذه المرحلة. فقد وجدت الطاقة الوجدانية الغريزية معشوقها الأول ويكون التلذذ الاستى على ضربين: لذة الإخراج والقذف ثم بعد حين لذة الإبقاء والإمساك. وترجع بعض الحالات الشاذة في البالغين إلى وقف إحدى مراحل الطفولة والارتداد إليها، فالقسوة مثلاً هي رجوع إلى طور التلذذ بالعض والمضغ، كما أن البخل والعناد ناتجان عن الارتداد إلى طور التلذذ الاستى بالإمساك والإبقاء.

وإذا كان فرويد يعتبر المرحلة الفمية والمرحلة الاستية غير تناسليتين، أي أن لا صلة بينهما وبين أعضاء التناسل على العكس من المرحلة القضيبية التي تلي المرحلة الاستية، فإن الواقع لا يؤيد هذه التفرقة. حيث أن الرضيع وهو في أواخر المرحلة الفمية قد يحقق أحياناً اللذة الجسمية عن طريق لمس أعضائه التناسلية والعبث بها. ومن العسير نعت هذه اللذة بالجنسية، إذ أن التمييز بين الجنسية لم يتحقق بعد في شعور الطفل. فهي لذة تناسلية بالنسبة إلى المنطقة فقط ولكنها لذة غير نوعية.

وتعقب هذه المراحل، المرحلة القضيبية التي تدوم من أواخر السنة الثالثة حتى السادسة - فهي تناسلية وجنسية إذ يبدأ الطفل في هذه السن يميز بين الجنسين بما يشاهده من اختلاف بين الصبي والبنت من حيث الملبس ووسائل اللعب وشكل الجسم واستخدام ضمير المذكور والمؤنث.

أن المرحلتين الأولى والثانية تنطبقا على الصبي والبنت على السواء. أما المرحلة الثالثة فتأخذ محتويات الشعور في الصبي والبنت في الاختلاف والتميز. وفي سن الثالثة يمر الطفل بأزمة نفسية سيبزغ خلالها شعور الطفل بذاتيته. فهي الأزمة الأولى التي يعانيها الطفل في أثناء تكوين شخصية الذاتية أو أنيته وسيمر بأزمة مماثلة لها في طور المراهقة عندما يكتمل بذاتيته. ومن أهم عوامل تكوين الشعور بالأنا أو بالذات انفعال الغيرة الذي يتخذ شكلاً واضحاً بين السنة الثالثة والرابعة.

وحين تكوين الشعور بالأنا تتعلق الطاقة الوجدانية بذات الطفل، فيحب ذاته، وقد سمى فرويد هذا المظهر من حب الذات بالنرجسية نسبة إلى أسطورة نرسيوس أو نرجس الذي عشق نفسه بعد أن استغرق طويلاً في تأمل صورته في الماء.

وفي المرحلة القضيبية يبدأ الصبي يشعر بأن جنسه أرقى من الجنس الآخر، وأن الدور الذي سيؤديه أخطر وأجل من دور البنت. وهو يعتبر الجنس الآخر ناقصاً من الوجهة العضوية وقد يخالجه أحياناً الخوف الشديد من أن يحرم مما يميزه عنه، وقد ينشأ من هذا الخوف ما يسميه فرويد بعقدة الإخصاء وكذلك الطفلة فقد تعتبر نفسها أحط من الصبي ويخشى عليها أن لا تتحرر من هذا الاعتقاد الذي من شأنه أن يؤدي في المستقبل إلى الانحراف والاختلال، ومن هنا قد ينشأ ما يعرف بعقدة الذكور. على أن نفس الخطر قد يهدد الصبي على الرغم من شعوره بتفوق جنسه على الآخر، فإنه لا يلبث طويلاً حتى يشعر بطريقة غير واضحة أن للجنس الآخر مزايا هو محروم منها، فيشق عليه ويمر كالبنت على السواء بدور تراوح بين قطبي الذكورة والأنوثة.

إضافة إلى ذلك يظهر ما يسميه فرويد بالعقدة الأوديبية، نسبة إلى أسطورة أوديبوس او أوديب الذي نشأ بعيداً عن أبويه فشاءت الأقدار أن يقتل أباه وأن يتزوج من أمه دون أن يتعرفهما. والعقدة الأودبيية أول مظهر من مظاهر النشاط الجنسي لدى الطفل فيتعشق الطفل أمه والطفلة أباها ويصحب هذا التعشق كراهية الطفل نحو أبيه أو الطفلة نحو أمها. وقد تتعقد هذه الصورة، فقد رأى فرويد أن شعور الطفل يكون مزدوجاً حاوياً العاطفتين المتقابلتين من حب وبغض نحو شخص واحد. وقد آثار ما ذهب إليه فرويد بصدد هذه العقدة نقداً عنيفاً لاذعاً. فكثير من علماء النفس الذين اعتنوا بدراسة الطفولة عناية خاصة ينكرون وجود مثل هذه العقدة. ورد فرويد على معترضيه بوضعهم في حلقة مفرغة لا يمكن الخروج منها، فإنكار معارضيه لعقدة أوديب يرجع إلى الكبت اللاشعوري، كما يصفه فرويد إلا بالاقتناع بصحة مذهبه.

أما إعداد الطفل لدخول عالم الحب الجنسي المتغاير أو الجنسية الغيرية فإنه في المرحلة الرابعة، وهي ما يسميه فرويد بطور الكمون الجنسي الذي يمتد من السادسة إلى الثانية عشرة تقريباً. وليست هذه المرحلة مرحلة ركود وسكون، بل يتطور فيها التعشق تطوراً محسوساً. وأول مظهر منه تحرير التعشق عن الأم لدى الطفل ويزول ما كان يشوب محبته نحو أبيه من نفور وكراهية. ولهذه المرحلة أهمية عظيمة في تكوين الشخصية إذ تنصرف الوجدانيات إلى عالم السمو ويميل الطفل إلى الإيثار والتضحية وإنكار الذات، ويبدأ في إدراك معاني الاعتماد على النفس والمجازفة والشجاعة وتطبيق هذه المعاني في سلوكه اليومي.

وقبل انتهاء هذه المرحلة تبزغ تباشير الصداقة الممزوجة بحب بريء نقي طاهر، وقد يكون المعشوق إما شخصاً من الجنس الآخر أو من نفس الجنس. ويجب ألا تعتبر هذه المظاهر الغرامية شاذة منحرفة، فقد ترتقي عواطف الطفل الكبير إلى أقصى حد من الإعلاء والتسامي.

بعد هذا التحليل لنظرية فرويد لجنسية الطفولة، يرى الدكتور يوسف مراد، وهو أحد أعمدة علم النفس في الوطن العربي - وقد جارى بقوله الكثير من العلماء - الذين رأوا أن منهج فرويد فيما يختص بطبيعة اللذة هو خاطئ، باعتبار كل لذة، جنسية في جوهرها، كما أن الطاقات الحيوية والنفسية جنسية في أصلها. والواقع أن اللذة تصحب عمل كل وظيفة عندما يكون هذا العمل سوياً معتدلاً وتتشكل اللذة باختلاف الوظائف، وقد تكون اللذة ناتجة عن النشاط من حيث هو مجرد نشاط دون تخصص ولا تنوع وقد تتحول اللذة التي تكون في السنوات الأولى من حياة الطفل غير مخصصة إلى لذة نوعية يمكن نعتها بالجنسية مثلاً إذا كانت نتيجة تنشيط الوظيفة فيما بعد، فإنه من الخطأ اعتبار اللذة التي تصاحب عملية المص أو الإبراز جنسية لأنها قد تصاحب فيما بعد تنشيط الوظيفة الجنسية.

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا