الرجل الذي صلبه في لبنان للكاتبة حور عبدالعزيز

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-09-09

الرجل الذي صلبوه في لبنان 

 

هذه الحكاية حملت لغطا كبيرا منذ بدايتها إلى نهايتها

وشارك بها أطراف كبيرة مثل أهل القرية ورجال الشرطة

القرية التي كانت ضحية لجزار طبقت القصاص العلني بيديها وسط الهتافات

فاختلط الحابل بالنابل وضاعت الحقيقة

مات الجزار ودفن بقبره أسرار جريمة وحشية مروعة لا زالت تبكي أهالي بلدة كترمايا

 

البداية

2010 م أ 1431 ه

بلدة كترمايا

 

رنا، شابة لبنانية عاشت بعد انفصالها بمنزل والديها يوسف أبو مرعي وكوثر

كذلك طفلتيها آمنة وزينة

في الساعة الثالثة عادت رنا للمنزل من عملها كمعلمة

وحين دخلت المنزل تجمد الدم بعروقها وهزت صرخاتها أرجاء الحي

كان المشهد مروعا

تحكي الأم تلك التفاصيل الدموية وهي تبكي:

في طريقي للعودة رأيت حافلة المدرسة التي تقل زينة وآمنة

وأدركت حينها أنهم وصلوا للمنزل قبل قليل لكن حين وصلت وجدت أبواب المنزل مقفلة، وهو أمر غير اعتيادي لأنها تبقى دائما مفتوحة لوصولي

فانتابني خوف شديد على أبي، فهو طاعن في السن وكذلك أمي

نظرت من الفراغ بين درفتي الباب ولم أرى شيئا فتوجهت للشباك ووجدت طرف السرير خاليا، فظننت أن أبي خرج بصحبة الأطفال وأطفأ الأنوار، ولما توجهت لباب خشبي آخر في زاوية البيت وجدته مقفلا فتضايقت في قرارة نفسي وتساءلت كيف أقفلوا الباب وهم على علم أنني سأصل قريبا

وعندما اتصلت من هاتفي الجوال بالمنزل لم يجب أحد، فاتصلت بسائق الأتوبيس وسألته عما إذا كان هناك أحد في انتظار ابنتي لدى وصولهما فأجاب بالنفي وقال إنهما دخلتا المنزل من الباب الحديد

فاستعنت بأحد الجيران وفتح لي الباب الحديدي ووجدت الكهرباء مقطوعة وطلبت منه مساعدتي في كسر الباب الخشبي

وبعد كسره شاهدت أفظع وأبشع مشهد!

فقد وجدت جثة والدي مشوهة وبها آثار دماء، ظننت في البداية أن أبي سقط وأصيب لكن على بعد خطوات قليلة كانت الفاجعة الأخرى!

فقد وجدت قدم أمي ممددة وغارقة هي الأخرى في الدماء

وبدأت أبكي بشكل هستيري

وودت لو أستلقي على أبي أفحصه لكن خوفي من المجهول كان يستفزني للمواصلة

فها هي أمي ترقد قتيلة أيضا

وهرولت إلى الحمام وأنا أنكفئ على وجهي ظهر لي حذاء زينة الذي كنت قد أحكمت ربطه في الصباح

وهناك عند الحمام وجدت طفلتي زينة!

لقد ألقاها القاتل في زاوية منه بعد أن قام بطعنها

تخيلت محاولات طفلتي زينة اليائسة للدفاع عن نفسها كما كنت أعودها دائما ولم أتمالك نفسي وسقطت أرضا حين وجدت ابنتي الكبرى آمنة في الزاوية المقابلة ملقاة على بطنها وقد قطعت أذنها اليسرى

وانهارت الأم باكية

كانت جريمة وحشية لا توصف من فظاعتها

بدأت تحقيقات رجال المباحث على الفور، فالأهالي قد صبوا جام غضبهم على الأمن وطالبوا بسرعة إلقاء القبض على ذلك المجرم الذي سفك دماء أربعة ضحايا أبرياء

وبدأ التحقيق مع الأم رنا التي اشتبهت في البداية بطليقها لكن سرعان ما تم تبرئته لوجوده بعيدا عن المنزل

لكن اسما آخر خطر ببالها على الفور

إنه محمد سليم الشاب المصري الذي سبق وأن تشاجر مع والدها!

كذلك أفاد أحد الجيران أنه شاهد محمد يخرج من منزل الضحية في الساعة 2

فاستدعى رجال المباحث محمد الذي حضر.. وكانت المفاجأة!

كانت هناك بقع دم على قميصه، وحين واجهه المحققون

أنكر أي علاقة له بالجريمة وأنه كان عند الحلاق وأخذوا قميصه لفحصه

فتم استدعاء الحلاق الذي أكد على وجود محمد الساعة 12 وليس الساعة 2 وقت حدوث الجريمة

وتم إصدار مذكرة تفتيش لمنزل محمد وعثر رجال المباحث على أدلة دامغة

فقد عثروا على سكين ملطخة بالدماء مخبأة

وتم إرسالها للأدلة الجنائية لفحصها وتم اعتقال محمد الذي انهار واعترف على الفور بارتكاب تلك الجريمة الوحشية

اعترف محمد أنه طعن الجد وزوجته والطفلتين بأكثر من 25 طعنة!

وحين سألوه عن الدافع لم يجب وبقي صامتا

انتشر خبر اعتراف محمد كالنار في الهشيم وتناقله أهل القرية بسرعة الريح وهددوا وتوعدوا

وللتأكد من صدق اعترافاته، طلب ضابط التحقيق اصطحاب محمد لمنزل الضحايا لتمثيل جريمته

فطلب المدعي العام من ضباط التحقيق اصطحاب محمد إلى مكان الجريمة، ليس لتمثيلها، وإنما للدلالة وتوثيق بعض ما أورده من عناصر تدل على أنه هو من ارتكب الجريمة قبل التحقيق معه في أسباب فعلته المفترضة، لتتم مطابقتها في وقت لاحق مع الوقائع التي حصلت عند وقوع الجريمة

كان مأتم تشييع الضحايا مهيبا، إذ خرجت البلدة كلها لوداعهم

فتلك الجريمة الوحشية والتنكيل بالجثث أحزنت كل البلدة وآلمها

اصطحبت قوة مشتركة من رجال المفرزة القضائية والأدلة الجنائية وعناصر من رجال الأمن المتهم موثوق اليدين وحاولوا دخول المنزل بطريقة لا تسترعي انتباه الأهالي لكن المحظور وقع!

فما أن شاهد أحد أبناء البلدة رجال الأمن ومعهم المتهم، حتى راحوا يتناقلون الخبر الذي امتد كالنار في الهشيم، وتصدى عدد كبير من الأهالي للدورية الأمنية قبل أن تصل للمنزل

وتعرضوا لإحدى سياراتها التي أصيبت بأضرار كبيرة

كما تعرض رجال الأمن للضرب قبل أن يصل أهالي البلدة الغاضبون الذين انهالوا على محمد بالضرب والركل فأصيب بروح بالغة

غير أن رجال الأمن استطاعوا إنقاذه ونقلوه إلى مستشفى سبلين

لكن الأهالي عرفوا بالأمر وسحبوه من المستشفى وذبحوه بسكاكين كانت معهم وربطوا جثته بسيارة راحت تجوب شوارع المنطقة سحلا وصولا إلى ساحة كترمايا وسط هتافات وتصفيق

فمن هو ذلك الشاب المصري؟

اسمه محمد سليم وهو شاب مصري وصل إلى لبنان مؤخرا

فبعد انفصال والدته عن والده عاش محمد طفولته مع عمته وتعرض لحادث حين كان في الرابعة من عمره حين سقط على رأسه وتسبب الحادث في تهشم عظام الرأس وتم علاجه

وبسبب هذا الحادث كان يصاب بحالة هياج عقلي، لكن سرعان ما أن يفيق من هذه الحالة ويقوم بالاعتذار

أما والدته فقد هارت إلى لبنان قبل 30 سنة مع زوجها اللبناني ولديها 4 أبناء يحملون الجنسية اللبنانية

وجميع علاقاتها وتعاملاتها جيدة مع الشعب اللبناني

وأكدت الأم أن محمد حادثها قبل أشهر أنه يريد القدوم إلى لبنان بسبب المشاكل التي يواجهها في مصر، فوصل سوريا عن طريق بعض المهربين الذين طلبوا أموالا مقابل تسهيل دخوله إلى لبنان

وكان يقيم معها بمنزلها ببلدة كترمايا منذ وصوله حيث كانت تخشى أن يتعرض للتوقيف من جانب السلطات الأمنية ومن ثم الترحيل نظرا لأنه يقيم بطريقة غير شرعية

وبحكم أن والدة محمد هي جارة الضحية الحاج يوسف فقد تعرف عليه محمد كذلك على زوجته ورنا والطفلتين وتعرف أيضا على بدرية وهي ابنة شقيق يوسف

كانت بدرية تقيم بجوار منزل عمها الضحية ولديها ابنتان هما جميلة ورولا وزوجها يقضي عقوبته بالسجن لجريمة قتل قريبه

عمل محمد مع زوج أخته جزارا في المحل الذي يملكه

لكن حالته بدأت تسوء، فأخذ يتعاطى المخدرات حتى حدث ما كان الكل يخشاه!

فبعد شهرين من قدوم محمد اتهم باغتصاب ابنة بدرية القاصر جميلة التي لم يتجاوز عمرها خمس عشرة سنة فصدر بلاغ بحث وتحر بحقه، لكنه توارى عن أنظار القوى الأمنية حتى انتهت مدة فعالية بلاغ البحث والتحري (شهر واحد فقط)

فلم تصدر بحقه مذكرة توقيف غيابية وبالتالي توقف تتبع محمد أمنيا

كان محمد يرغب بالزواج من رولا شقيقة جميلة لكن والدتها رفضت وبعد فترة ظهرت أقاويل أن محمد قام باغتصاب جميلة انتقاما

ولإسقاط الدعوى تقدم محمد للزواج من ميلة القاصر لكن والدتها طردته

أما بدرية والدة جميلة، أخذت تغرف بملذاتها وكأن أمر ابنتها القاصر لا يعنيها

فقد بدأ السكان يتهامسون أن رجالا يدخلون منزلها وأمورا مشبوهة تحصل في المنزل

وحين واجهها عمها الحاج أنكرت وأنهم مجرد أصدقاء

لكن العم غضب بشدة وهددها بإخبار زوجها السجين بسوء سلوكها فتدهورت العلاقة بينهما

أخذت بدرية تشعر بالخوف فهي تعلم جيدا ردة فعل زوجها حين يعلم

لكنها استمرت بسوء سلوكها حتى حدثت مشاجرات عنيفة قام العم بطردها من منزله وأنه سيخبر زوجها

ولأن محمد يتردد دائما على بدرية بسبب رغبته في الزواج من ابنتها

فأخذت تفكر بخطة خبيثة لم تخطر على البال!

أخذت بدرية تشكي لمحمد تصرفات عمها، وبأسلوب شيطاني وعدته أنها ستزوجه ابنتها إن ساعدها

وبلهجتها اللبنانية قالت:

شوف شو بدك تعمل نتخلص من عمي يوسف

فأجابها محمد: ماذا تريديني أن أفعل؟

فردت: اقتله

وراحت بدورها على الشروع في تنفيذ وعده قبل أن تتفاقم الأمور ويعلم زوجها بما يجري

لكنه محمد تلكأ بعض الشيء وقلل حضوره لمنزلها

فأرسلت إليه قبل يوم واحد من وقوع الجريمة الأولى عبر بعض الشبان بأن عليه تنفيذ وعده قبل أن يعمد عمها إلى إبلاغ زوجها ويصبح الكل في مأزق!

فوعد أمام شبان بأنه موافق وفي الغد سيبدأ التنفيذ!

وأبلغ الشبان رجال الأمن الحديث القصير الغامض الذي دار بينهم وبدرية ومحمد

فتم اعتقال بدرية التي اعترفت أنها طلبت منه تخويفهم وليس قتلهم!

وتم الحكم عليها بالسجن

أما والدة محمد، فقد هربت لبلدة أخرى خوفا من غضب الأهالي وأكدت أن ابنها بريء وأنه تم الزج به

وأثبتت الفحوصات أن الدم على قميص محمد للحاج يوسف والدم على السكين للطفلة آمنة

وأثارت عملية قتل محمد وصلبه استهجان الكثير وتم محاسبة رجال الأمن وكادت تلك الجريمة أن تسبب خلافا بين مصر ولبنان

القصة هي من أغرب القصص التي تعتري العمل التحقيقي الأمني القضائي في لبنان بل هي سابقة من شأنها أن تمهد لضرب القانون وسيادة شريعة الغاب فضلا عن أنها أضاعت أو تكاد تضيع دم عائلة أبو مرعي بين أهالي غاضبين إلى درجة بات يصعب معها تحديد أهداف القاتل ومراميه

فموت مسلم طوى الكثير مما كان سيعلنه، في إطار اعترافاته بالأسباب التي أدت إلى قيامه بذبح أفراد تلك العائلة الآمنة، كما طوى إمكان إدلائه بالمزيد من التفاصيل الإضافية عن تنفيذه تلك الجريمة، وهوية شركائه فيها

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا