بات الزواج خوفًا

  • الكاتب : آلاء عبد الرحمن محمد
  • / 2025-12-08
عرض الpdf

 

 

---للكـاتبه"آلاء عبد الرحمن محمد.

 

حين أسمع صراخًا من  الجدران حين أذهب، أسمع أصوات الصراخ تعلو من بيوت تبدو هادئة. تخرج من النوافذ المغلقة، تتسلل من تحت الأبواب، تُحمل مع نسيم الليل البارد. كل صرخة سؤال: إلى متى؟ كل بكاء قصة لم تُروى بعد. حين أرى الإعلان عن فتاة قُتلت.. قُتلت لأن شكًا تسلل إلى قلب من كان يجب أن يكون مأمنها. سُلبت روحها لأن وهْمًا سيطر على عقل من أقسم أن يحميها. يُعلن عن جريمته كأنها حدث عابر، بينما هي نهاية عالم. نهاية ثقة، نهاية حلم، نهاية حياة. فأتساءل: أهذا هو العدل؟ أم أن العدل نفسه صار أعمى، لا يرى إلا دماء على الأرض، ولا يسمع إلا أصوات الجلادين؟

 

وأرى نفسي في المرآة.. فتاة تحمل قلبًا ما زال يحلم. لكن حلمي صار مرعبًا. حلمي صار سؤالًا: كيف أثق؟ كيف أثق بمن سيأتي يومًا ويقول لي "أنت حياتي" وهو يحمل في داخله بذرة ذلك الشك نفسه الذي قتل غيري؟ كيف أضع يدي في يد قد تحول إلى قيد غدًا؟ كيف أفتح عيني في الصباح على وجه قد يكون آخر ما أراه في حياتي؟ أحلم بأن لا تحدث.. أحلم بأن أكون الاستثناء. لكن الحلم نفسه صار ثقيلاً. كأنني أحلم وأنا واقفة على حافة هاوية، أعرف أن غيري سقط، لكنني ما زلت أتمسك بالأمل أنني سأطير.

 

ثم تأتي اللحظة التي تهتز فيها كل الثقة.. حين أرى أمًّا تخاف على ابنتها من الزواج فتقول لها: "اصبري.. استحملي" وكأن الصبر هو الحل لكل ظلم. وحين أرى أختًا تخبئ دموعها لأن زوجها "عصبي" وكأن العصبية حق مكتسب. وحين أسمع قريبًا يضحك على نكتة عن ضرب النساء.. فأعرف أن العدو ليس فردًا، بل هو فكر، هو تراث سام، هو صمت المجتمع.

 

أتساءل: هل سيكون شريكي بمثابة الثقة؟ هل سيكون الملاذ لا السجن؟ هل سيكون الشريك لا المالك؟ هل سيكون الحب لا الخوف؟ هل ستتجلّى أحلامي بين يديه.. أم ستتحطم؟

 

لكني أقرر شيئًا واحدًا.. لن أدع الخوف يسرق حلمي. لن أسمح للوحوش التي رأيتها أن تعيش في مخيلتي. سأحمل قلبي بحذر، لكني سأعطيه. سأفحص بعناية، لكني سأثق. لأن الثقة ليست هدية أقدمها للرجل.. بل هي هدية أقدمها لنفسي. ثقتي بأنني أستحق الأفضل. ثقتي بأنني قوية بما يكفي لأعرف متى أمسك ومتى أترك. ثقتي بأن حلمي بعلاقة جميلة ليس ضعفًا.. بل هو قوة إيمان بالخير الذي ما زال موجودًا.

 

نعم، أخاف.. لكني سأحب. نعم،أتذكر.. لكني سأنسى ما لا يستحق البقاء. نعم،أراهن.. لكن على نفسي أولاً. على قوتي، على حكمتي، على قدرتي أن أكون سندًا لنفسي قبل أن أبحث عن سند. فالثقة لا تبدأ بمن يأتي.. تبدأ بي أنا. بالقرار الذي لا يتزعزع: أنني لن أسمح لأحد أن يجعل من قلبي ساحة حرب، ولا من جسدي سجنًا، ولا من روحي ضحية. لأني أستحق أكثر من مجرد البقاء.. أستحق أن أحيا.

 

---واسئلة أخرى تطرق عليّ!

"ننتظر دورك... أم أنني منتظرة؟"

 

"ننتظر دورك أيتها العروس!" كأن الزواج محطة قطار لا بد أن أصل إليها، حلقة في مسلسل حياتي تُكمَل. كأني بطاقة في لعبة الورق: عزباء، مخطوبة، عروس... ثم ماذا؟

 

أيتها العروس؟! *لا، لستُ منتظرة*. لم أعد أعرف ماذا أنتظر. لا أسرع الخطى، لأن السرعة لا تصلح الجروح. ولا أشعر بالشوق، لأن الشوق يحتاج قلبًا سليمًا.

 

ما حملته الأيام إليّ:

- *جروح كلمات*: "أنتِ أقل"، "أنتِ خطأ"، "أنتِ مشروع فاشل". جروح صامتة لا يراها أحد، لكنها تنزف كل ليلة.

- *هفوات لم تلتئم*: أحلام حلمتها وآمنت بها، ثقة وضعتها في سراب.

- *خذلان لم يشف*: من كانوا ظهري فكانوا سكّيني، من أذاعوا همساتي ضحكات.

- *دموع لم تجف*: أذرفها في السر، لا تعرفها الشمس، تختلط بصلاة وبصرخة مكتومة.

 

السؤال يقتلني: "بأي حق سأكون زوجة وقد كُسرت؟" كُسرت ثقتي، براءتي، حلمي بالأمان. كسروني ثم يسألون: "متى ستتزوجين؟" كأن الزواج لاصق يصلح كل الكسور!

 

أقول لهم: *لا أرفض الزواج، أرفض أن أكون حملًا جديدًا على كاهل رجل*. أرفض أن أكون مشروع إصلاح. أحتاج أن *ألتئم أولًا*، أجبر كسري بنفسي، أتعلم كيف أثق بنفسي قبل غيري.

 

رسالتي: *دعوني أشفى*. دعوني أعرف معنى الوقوف بمفردي. السعادة ليست خاتمًا، بل اكتشاف أنني كاملة كما أنا. العروس الحقيقية ليست من تلبس الأبيض يومًا، بل من تعرف كيف تبقى نقية القلب كل أيامها.

 

إن كنت تنتظر دوري... *انتظر لأني سأختار*. لا لأن المجتمع يريدني آتية، بل لأن قلبي يقول: "هذا هو الإنسان الذي يستحق أن أشاركه حياتي". حتى ذلك اليوم، دعوا الجروح تلتئم، دعوا القلب يتنفس. *أريد أن أكون إنسانة أولًا... ثم كل شيء آخر*.

 

---للكاتبه آلاء عبد الرحمن 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا