أنستازيا
في عام 1917 وعند قيام الثورة البلشفية في (روسيا), اعتقل رجال الثورة عائلة القيصر (نيقولا رومانوف) الحاكمة كلها، القيصر وزوجته والأبناء الأربعة، من ضمنهم ابنة القيصر الصغيرة (أنستازيا), وتم وضعهم في كوخ حقير انتظارا للمحاكمة التي كان سيجريها رجال الثورة، وكانت (أنستازيا) في ذلك الوقت طفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها تسع سنوات ولا تعي بطبيعة الحال ما يدور حولها من تبدّل بحالها وحال أسرتها، وفي عام 1918، أي بعد سنة واحدة من اندلاع الثورة، صدر الحكم بالإعدام على جميع أفراد الأسرة رميا بالرصاص، بما فيهم (أنستازيا), وبالفعل تم تنفيذ الحكم في جميع أفراد العائلة على نحو وحشي همجي، وهذه حقيقة تاريخية معروفة
ولكن في عام 1933 أقدمت فتاة مجهولة على الانتحار بإلقاء نفسها في نهر (لندن), وتم إنقاذها قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، إلا أنها أصيبت بفقدان الذاكرة بسبب تلك الحادثة، وفجأة وبلا سابق مقدمات، أعلنت أنها (أنستازيا) التي من المفترض أن تكون قد أعدمت مع باقي أفراد عائلتها الحاكمة قبل خمسة عشر عاما !!. وكانت صدمة شديدة أثارت جميع وسائل الإعلام، واكتظ الصحفيون في المستشفى لمقابلة تلك الفتاة ومعرفة الحقيقة، إلا أن الأطباء منعوهم من الوصول إليها، وجاء التقرير الطبي ليزيد الأمر غموضا، فقد ذكر التقرير أن الفتاة مجهولة الهوية ويوجد على جانبي ذراعيها آثار أربع رصاصات قديمة !!. والتف النبلاء الروس حول تلك الفتاة في (لندن) لمعرفة الحقيقة، وكانت الفتاة تؤكد لهم طوال الوقت من أنها لا تسعى إلى أي تعويضات مادية، وإنما تسعى لإثبات نسبها فحسب، وقد عللت نجاتها من حكم الإعدام بأنها كانت تحتضن كلبها لحظة إطلاق النار، لذا فلم تصبها الرصاصات إلا على جانبي ذراعيها، وأنها قد فقدت الوعي من هول الموقف، ووقتها اكتشف جندي روسي أنها ما زالت على قيد الحياة، فصحبها إلى منزله سرا واستطاع تهريبها إلى (هنغاريا).
وتبنى أحد الأثرياء الروس قضية تلك الفتاة وراح يدافع عنها ويحاول إثبات أنها هي (أنستازيا) بعد أن اقتنع بأقوالها، وساعدها كي تلتقي بكل من عرفوا (أنستازيا) في طفولتها، حيث أجمع عدد كبير من الذين قابلوا الفتاة على أنها كانت تعرف جميع تفاصيل حياة (أنستازيا), حتى الدقيقة منها !! وكانت تتصرف وكأنها هي بالفعل !! الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات. والعجيب أن جدة (أنستازيا) التي استطاعت بدورها الفرار من بطش الثوار وهاجرت إلى (الولايات المتحدة الأمريكية) كانت قد رفضت رفضا قاطعا مقابلة تلك الفتاة، بل ورفضت مجرد رؤيتها، مؤكدة أن كتب التاريخ تقول أن حفيدتها قد أعدمت مع أفراد أسرتها، وهي واثقة من ذلك.
ووقف صحفي أمريكي من أصل روسي إلى جانب الفتاة، وصحبها معه إلى (الولايات المتحدة الأمريكية), وهناك استقبلها الناس أفضل استقبال، واحتضنتها الجالية الروسية بكل الحب والتقدير، وهنا فقط وافقت الجدة على مقابلتها، ولكن ومع الأسف الشديد، توفيت الجدة بشكل مفاجئ قبل أن تلتقي بها، ليصدر بعدها اثنا عشر شخصا من أقرباء (أنستازيا) في أميركا بيانا رسميا ينكرون فيه أي صلة قرابة مع تلك الفتاة مؤكدين بدورهم أن (أنستازيا) قد أعدمت
ومع مرور الأيام، تناست وسائل الإعلام هذه القضية، وبدأ الناس بالابتعاد عن تلك الفتاة التي تركت (الولايات المتحدة الأمريكية) بعد أن فقدت الأمل في كسب ثقة النبلاء الروس الهاربين من المجزرة، وعادت إلى (بريطانيا), وهناك رفعت دعوى قضائية لإثبات نسبها، ولم يتم إصدار الحكم في تلك القضية إلا في منتصف السبعينات، حيث قررت المحكمة - بعد سماع المئات من الشهود ومراجعة كمية ضخمة من الملفات والوثائق التاريخية - أنه لم يثبت بشكل قاطع أن (أنستازيا رومانوف) قد لقيت حتفها خلال إعدام أفراد الأسرة، كما لم يثبت أيضا أن هذه الفتاة هي نفسها (أنستازيا) !! لتعود القضية مرة أخرى إلى نقطة البداية، وتعود الفتاة بعدها إلى (الولايات المتحدة الأمريكية) بعد أن تسلل اليأس إلى قلبها، وهناك عاشت حياة عادية في ولاية (فرجينيا) الأمريكية، إلى أن توفيت في عام 1984، وكانت في الرابعة والسبعين من عمرها
ولم ينته الأمر عند هذا الحد، فبعد انهيار الإمبراطورية الشيوعية العظمى، أعلن مجموعة من الباحثين أنهم كانوا على علم - ومنذ مدة طويلة - بالمكان السري الذي دفنت فيه جثث أفراد عائلة (رومانوف) المالكة، إلا أنهم كانوا يخشون إثارة الموضوع مرة أخرى خوفا من عقاب الحكومة السوفيتية الشيوعية، أما الآن - وبعد انهيار الشيوعية - فهم على أتم الاستعداد للكشف عن المكان
وهذا ما حدث، فقد تم استخراج العظام - التي كانت متكدسة عشوائيا - تحت أنظار العشرات من الصحافيين والإعلاميين، وتم عرضها على مجموعة من أعظم الأطباء في (روسيا), وكانت النتيجة غير متوقعة إطلاقا، فقد استطاع الأطباء الشرعيين تمييز عظام جميع أفراد العائلة، عدا عظام (أنستازيا) التي كانت مفقودة!!
يقول محامي الفتاة التي ادعت أنها (أنستازيا),َ ؟؟ لو تم اكتشاف تلك العظام قبل وفاة الفتاة، لكان هذا دليل إثبات قوي جدا في صالحنا، أما الآن، فقد ماتت القضية بعد موت الفتاة)). ولم يحسم الأمر إلى يومنا هذا، ولم يعرف أحد إن كانت هذه الفتاة هي حقا (أنستازيا), أم أنها مجرد نصابة
..... .
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا