مقال: الحضور

  • الكاتب : Ahmed
  • / 2025-12-19

🩸 مقال: الحضور

“الظـل اللي بيمشي ورانا… حقيقة ولا هلاوس؟”

 

في كل بيت في مصر، مهما كان جديد أو قديم، دايمًا فيه ركن محدّش بيحب يقف فيه بالليل. ركن تحسّ إن الهوى فيه سقعة زيادة عن الطبيعي، كأن المكان شايل ذكرى مش عايزة تتنسي. ولو ركّزت أكتر، هتحس بإحساس غريب… إحساس إنك مش لوحدك، إن في حد واقف قريب جدًا، قريب لدرجة إنك لو لفيت فجأة ممكن تخبط فيه، بس مفيش حد.

 

الناس بتسميه “الظل”، وفيه اللي يقول “قرين المكان”، وناس تضحك وتقول مجرد تخيّل. بس اللي اتسجّل في السنين الأخيرة خلّى الموضوع يطلع برّه دايرة الخرافة. باحثين في علم النفس وصفوا ظاهرة اسمها Presence Hallucination، إحساس قوي بوجود كيان غير مرئي قريب منك. الغريب إن معظم الحالات كان فيها تفاصيل متطابقة: نفس الشعور بحد واقف ورا الضهر، نفس الإحساس إن المكان “زايد عليه حد”، ونفس اللحظة اللي فيها كل الأصوات بتختفي فجأة… كأن المكان نفسه بيحبس نَفَسه.

 

الأغرب؟

حوالي 70٪ من الشهود ماكانوش بيعانوا أي اضطرابات نفسية. يعني الموضوع مش توتر، ولا إرهاق، ولا دماغ بيلعب بصاحبه.

 

كصحفي مراسل، اتعلمت ما أكتبش عن حاجة غير لما أمسك فيها دليل، حتى لو كان الدليل نفسه غامض. أول بلاغ وصلني كان عن مدرسة قديمة مهجورة على أطراف المدينة. المدرسة مقفولة من أكتر من 15 سنة، ومع ذلك الحارس الجديد مشي بعد 9 أيام. في محضر رسمي كتب جملة واحدة بس:

“المكان كان حاسس بوجودي… مش العكس.”

 

دخلت المدرسة بالليل، مع كاميرات تصوير، أجهزة تسجيل صوتي، وكاميرا حرارية. مفيش ولا ظل ظهر. مفيش صوت اتسجل. كل حاجة كانت طبيعية… زيادة عن اللزوم. لكن في لحظة واحدة، كل اللي موجودين حسّوا بنفس الإحساس. إحساس إن في حد واقف وراهم. مش خوف، لكن مراقبة. واحد من المصورين لفّ فجأة وقال: “هو إحنا سايبين حد ورا؟” ماكانش فيه حد. بس درجة حرارة المكان نزلت فجأة، والأصوات اختفت، حتى صوت النفس بقى مكتوم، كأن المكان قفل علينا.

 

اللي اتسجّل ساعتها ماكانش صورة ولا فيديو، كان داتا. تغيّر مفاجئ في الإحساس العام. رجعت للأرشيف، ولقيت إن نفس الظاهرة اتكررت في شقق لسه متسكنتش، بيوت اتقفلت فجأة، وأماكن حصل فيها تغييرات عنيفة. كأن المكان نفسه بيرفض التحوّل.

 

في أوروبا، اتقال إن “الظل” بيظهر للأطفال أكتر. وفي القرى العربية القديمة كانوا يقولوا: “المكان ليه عِشرة، ولو اتعكرت… صاحبه يبان.” وده يقرب جدًا لمفهوم “جن البيوت”، الكيان اللي مهمته يحافظ على المكان، ولو اتضايق، ما يظهرش بشكل مباشر… بس يخليك تحس بيه.

 

الخيط المشترك في كل ده إن الكائن ده مش بيظهر. هو بيتحس. وده أخطر بكتير من الظهور. لأن الوجود المرئي تقدر تواجهه، تهرب منه، أو تفسّره. لكن الوجود المحسوس بس؟ ده معناه إن اللي قدامك أقوى من إنه يتشاف، وأذكى من إنه يسيب دليل.

 

يمكن العلم لسه مالقاش تعريف نهائي للظل اللي بيمشي ورانا. ويمكن التراث بالغ في تفسيره. بس الحقيقة اللي خرجت بيها بعد البحث والتحقيق بسيطة ومقلقة:

مش كل اللي بنحسه وهم، ومش كل اللي مش باين… مش موجود.

 

وفي المرة الجاية اللي تحس فيها إنك مش لوحدك، ما تبصّش وراك. اسأل نفسك سؤال واحد بس:

الإحساس ده بدأ إمتى؟

قبل ما أدخل المكان…

ولا ب

عد ما المكان عرف إني دخلت؟

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا